آراء وكتاب

صورة للحظة عمر

بقلم : غدير حدادين –
أحيانا كثيرة تبحث عن شيء ما أضعته، ربما في خزانة الملابس أو بين مجموعة من الأشياء المتناثرة في درجك الخاص، فتصادفك صور قديمة .. تستوقفك وتسرق منك الوقت وتنسيك ما تبحث عنه !? صور تأخذك إلى تلك اللحظة.. وأي لحظة ؟.. لحظة عمر بأكمله.. ربما كانت لحظة حزن؛فرح؛حب؛ تحدٍ؛ انكسار؛ خوف؛ حياة؛ جرأة؛ حسرة؛ ألم؛ انتهاء مرحلة ما من حياتك .. او بدء مشوار جديد في العمر.. وربما ليس شيئا من ذلك كله، وإنما اختفاء أحدهم من طريقك، أو خيانة آخر أو لحظة شاءت الأقدار أن تبدل حالا بحال ! .. تنظر إلى تلك الصورة، وتستعيد معها ما تبقى من أحداث ظلت راسخة في الذاكر .. تشعر انك تكلم شخوصها، وقد تدخل في حوارمع ذاتك المنسية؛ فتتامل ملامح وجهك وتعد التجاعيد التي تشكلت حول عينيك أو على العنق والجبين ..عن لحظة مواجهة أتحدث؛ حينما تقول للصورة والدهشة ترفرف حولك : ” يالله شو تغيرت “، ” معقول هيك تغيروا” ” يا خسارة يا زمن “! أحيانا تشعر بأن دمعتك تشاركك النظر إلى تلك الصور.. فيما أصابعك ترتعش وهي تحاول تقليبها صورة بعد صورة .. واحيانا تحدثك الصورة نفسها، وفيها راحلٌ يواسيك أنت بعينين تكادان تنطقان .. يبتسم لك .. أكثر من إنسان قريب إليك وبعيد عنك، ينظر إليك ولا يراك، يسألك عما جرى هناك ولا يسأل عنك، يتكلم ولا يحدثك،ويسمع بأذنين ولا يصغي إليك ! في بعض الأحيان ينتابنا الحنين إلى موتانا أكثر بكثير من الحنين إلى أناس تعيش بيننا ولا نلتقيها إلا مصادفة .. أناس على قيد الواقع البائس، وهم الراحلون وليس أولئك الذي يصل بيننا وبينهم الحنين ! وفي أحيان أخرى تستشعر الحكمة التي أخذتها أو ورثتها عمن فارقونا إلى الأبد، أكثر بكثير من الذين ما زالوا يزلزلون حياتنا بطيشهم ونسيانهم وتناسيهم المتعمد لتفاصيلنا .. أحيانا تبدو ملامحنا في الصورة بريئة وصادقة .. هل كنا نعيش حينذاك حالة من الغباء الجميل؟! .. ها نحن اليوم أكثر قسوة، وأشد صلابة في ملامحنا.. ملامحنا التي تبدو مثقلة بالتعب رغم جمال ما نرتدي ونضع من مساحيق تجميل؛ لعلنا نخفي بعضا من أيامنا وإرهاق الوقت .. غريبة صورنا .. نحبها مرة ولا نحبها مرة أخرى .. نريد منها الذكرى ونتمسك بها، ونهرب منها إلى لعبة النسيان .. نراها حينا كأنه لم يسبق لنا أن رأيناها .. وحينا ننكرها ونعتبرها غريبة عنا .. لا رغبة لنا بالحديث معها ! احيانا قد نبحث فيها عن دفء اللحظة، ونتمنى أن نعيش ذاك الشوق الذي أحيا فينا يوما ذاك الماضي، واحيانا أخرى نكره غدر الزمان الذي باغتنا في أيام أتت بعدها ! هي الصورة التي تختصر زمانا، وتروي تفاصيل حياتنا على طريقتها .. صورة لا يراها الآخرون كما نراها نحن، وكما نعرف بقايا السر الساكن فيها !!

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock