و أنا بحكيلكم لأ ؛ لأنّو مساحة قلب الأردن هي من حافّة الأرضِ شرقاً حتى حافّتهِ غرباً بل أكبر ( وسع الكون) ..
في إحدى الأماسي وسط البلد ضمن مهرجانِ جرش، خلال حفلٍ غنائيّ لمجموعةِ فنّانين خَتَمَهُ الأستاذ “خالد بركات” – وديع الصّافي الأردنيّ كما أسمعه بأذني أنا – كانَ الحفلُ على مدرّجِ مسرحِ الأوديون ( “المسرح الشتويّ” كما كان اسمه قديماً) ، هناكَ قابلتُ فتاةً مكسيكيّة
جَلسَت جواري إلى اليسار .. بعد أن تأكّدَت أن لا أحدَ معي لتأخذَ مكانها ، فقد ألقت التّحيّةَ بلطفٍ خجولٍ رقيقٍ راقي، سألَتني فأجبتُ فجاوَرَتني، ثمّ
قبل بدءِ الحفل و بحماسٍ و إعجابٍ شديدين بدأت تتحدّثُ إليّ عن بلدي…
الصّبيّة المكسيكيّة كانت طيلَةَ الحفل تصفّقُ فَرِحَةً طَرِبةً كأنّها تفهمُ الكلام ، و كانت تلتقطُ الصّور بكلّ اتّجاه ، و تسجّل الفيديوهات و هي في قمّة السّعادة، و ازدادَ حماسُها و فرحُها أكثر فوقَفَت حين نزلَ الشّباب و دبكوا في قلبِ صحنِ المسرح …
كما ولَفَتَها وجودُ نشميّات و نشامى الأمن العامّ !!؟؟ فأخبرتُها : تنظيماً و حمايةً للجمهورِ من التّدافُعِ خوفاً على الاطفالِ و كبار السّنّ حيثُ كان أغلب الجمهورِ من العائلات، كما لفَتَها-إعجاباً- مجانِيّةُ الحفل .
هي جاءت الأردنّ ضمن عملها ؛ شيء له علاقة بالحفاظ على البيئة و بالاحتباس الحراري و (هيك يعني … ) و كانت معجبةًجداً بأنّ مطارَ الملكةِ علياء ضمن المراتب المتقدّمة بين المؤسّسات (عالميّاً) – على ما أذكر – بأقلّ نسبةِ انبعاثات.. يعني مطارُنا صديقٌ للبيئة.
بعد انتهاءِ الحفل خرجنا معاً إلى السّاحةِ الهاشميّة وقفنا نتحدّثُ قليلاً قبل أن نفترق ، أنا أستمعُ بفخر ، و هي تحكي بِفَرَحٍ عن زيارتها للأردنّ (ضمن جروب عملها) حيث ذهبوا لعجلون و جرش و أمّ قيس و نهر الأردنّ مكان ما تعمّدَ السّيّد المسيح ، و زاروا البحر الميّت و البتراء و وادي رمّ و العقبة …. و اليوم وسط البلد ( و الصّدفة جمعتني بها) ، قالت : بلدكم بكلّ ما فيه جميل ..
الأردن كلّه سَحَرَها ؛ طيبة و دماثة ناسِه سحرتها، كرم أهلِه سحرها ، أمْنُهُ أمانُه استرعاها سحرها … هذه عينُ (شخصة) غرباً ، و إنْ حكينا شرقاً عن رأي صينيّين و إندونيسيين و كوريين و كثيرين غيرهم ، فحَدّث حتّى الصّباح و لا حَرَج.
بلدي هو نبضُ عقلي و قلبي ، لوني و قميصي حتّى مماتي. هو ميلادي و أكسجينُ دمي ، دَيدَني هو و فاتحةُ عمري ، مدرستي كليّتي معلّماتي و أساتِذَتي … تاريخي حاضري و مستقبلي حتّى مماتي هو، لا أعرفُ بلداً آخرَ غيره ، هو درّةُ الزّمان و المكان ، و حديثُ الزّمنِ هو ؛ خطوط الطّولِ و دوائرُ العَرضِ على وجهي ، بياضُ شَعري و شِعرُ عرار ، هو شجرُ الدّفلى يغنّي لنهرِ الأردنّ على أنغامِ الرّبابة ، هو نثرُ غالب هلسا و الرّزّاز و طُمّليه و و … ، هو بحورُ الشّعرِ و اكتمالُ بدرِ عمّان عندَما يَنظُمُ حيدر محمود … هو توفيق النّمري و سلوى العاص و( أبو عوّاد و رشيدة الدّجاني عبير عيسى و مصطفى خليل جولييت و جميل عوّاد رفعت النّجار ناريمان عبد الكريم سهير فهد زهير النّوباني داوود جلاجل ياسر المصري رحمه الله ، و المعلّم خالد الطّريفي شافاه الله و عافاه ، و كثُر غيرهم ممّن أسعدونا و لا زالوا .. موسى حجازين يُضحِككَ يُبكيكَ لتستفيق ، و قبلَهُ ربيع شهاب… و كلّ الجيل المخضرم الموجود بيننا و الذي جاء بالشّباب الواعد ، على سبيل المثال من مبدعينَ على مسرحِ المخرجة د.مجد القَصَص و رائعتها الاخيرة ” نون ” ضمنَ جرش أيضاً ، و كثيرونَ تَفخرُ بهم السّاحة الثّقافيّة و الفنّيّة ، أ.زيد مصطفى خليل و د.عبدالسّلام قبيلات و و و …) لو بدي أعدّ و أذكر ما بخلّص لمئة عام من القامات و القِيَم الجميلة النّبيلة … بلدي هو كلّ الرّعيلِ الأوّلِ و من استلمَ الرّايةَ منهم ، ممّن قرأتُ لهم و / أو عنهم في كلّ المجالات العلميّةِ و العمليّة ( لكن لا أدرِ لمَ سيطرت أسماءٌ من أعلامِ الثّقافةِ و الفنون أكثر !؟ يمكن لأنّي في أجواءِ جرش ) ،
بلدي هو حديثُ الطُرُقات و مقاعد الدّراسة من المدارسِ إلى الكليّات و الجامعات .. هو الأجمل حتّى بأطباقِه ( المنسف و اقطع) . بحلوِ وسطِ البلد من حبّة السّولفانا و الحلقوم و شقفة البقلاوة و الكنافة إلى مُرِّهِ المُعَتَّقِ بفنجان السّادة الأصيل، فنجان الضّيف و الكيف حتى فنجان السّيف هيبتنا و يُمَيِّزنا( و البراند مسلسلاتنا البدويّة حدّث و لا حَرَج)..
شو بدي أتذكّر لأتذكّر حتى أذكُر …
بلدي عمره ما كان و لا راح يكون صغَيَّر؛ بلدي بحجمِ الكون هووو .
بلدي آلافُ بل ملايينُ الصّفحاتِ من التّاريخ المُتَجَذِّرِ و الحاضِرِ المُعَزَّزِ و المُستقبلِ المأمولِ المنظور …
بلدي قِلاعٌ قصورٌ أعمِدَةٌ مدرّجاتٌ و سبيلُ حوريّات ، بلدي فسيفساءُ رُصّت في الكنائسِ و في غيرِ مكانٍ حتى تسولف عنّه … فعلى سبيلِ المِثالِ – لا الحصر – في بلدي مغارة (مْراح سلامِة -في مادبا) اكتشَفَها مهندسٌ أردنيٌّ جعلَ منها مزاراً متحَفاً يحكي ما و مَنْ كانَ هنا ؟! مازِجاً كلّ هذا بجِلسَةٍ عصريّة يحيطُ بكَ عبقُ أثيرِ الماضي فتُبهِرُك أكثر،
بمجرّدِ دخولِكَ يأخُذُكَ مُكتَشِفُها في جولةٍ كآلةِ الزّمن عبر تاريخ الأردنّ العتيق ، حضارةٌ تحكيها جدرانُ و مرافقُ المغارة المُتحف… و كأنَّ التّاريخَ كان يأخُذ غفوة في المغارة ، لكنّها غفوةُ مُطمَئنّ أنْ سيأتي يومُ اكتشافِ المهندس جورج سلامة حدّادين لها لإيقاظِ ما كان ، و القَدَرُ جعله يدرس تخصّصاً يُمَكّنهُ من اكتشافها حين تاتي اللحظة الفاصلة بين مغارة نائمة و مغارةٍ أيقظها أردنيّ نشميّ بمهارةٍ و احترافيّة و حبّ ، تنقيبهُ جاءَ كقُبلةِ الحياةِ أعادَ لها الحياة
Mra7-Slameh
كباقي أوابِدِنا بتخلّيك تعرف أبعاد الأردن أفقيّاً و شاقوليّاً ..بل في كلّ الاتجاهات.
يا عمّي أنا (بشو ) قاعدة بحكي و بشرح و بتغزّل ؟! يكفي أن أقولَ اسمَهُ فقط :
( الأردن Jordan) .
بضعةُ حروفٍ و كمشة حجار و حفنة رمال … ( يقولوا شو همّي يقولوا ….) ؛
المُهِمّ الأوابِد و التّاريخ و الأرض و الإنسان شو قالوا و راح يظلّوا يقولوا :
بلدي من لحظةِ التّكوينِ ( ب كُنْ الأولى)، إلى لحظةِ وقوفِ الشّمسِ عن عملها و الخروجِ ( ب كُنْ الأخيرة ) :
الأردنّ حياةٌ مُصَمِّمَةٌ على البقاءِ واقفةً منذُ الأزل ، حياةٌ مُتَمَسِّكةٌ بالحيااااةِ لما بعدَ الأبد …
الأردنُّ خزنتُهُ إحدى السّبع ؛ عجيبَتُنا ورديّة.
بحرُهُ ميِّتٌ مُغلَقٌ (أخفَضُ) ما في الكوكبِ ، لكنّهُ نادرٌ أوحَد ؛ الحياةُ بِمِلْحِنا تحيااا .