آراء وكتاب

هذا هو الإسلام

أهم الأحكام الشرعية المتعلقة بجمع وقصر الصلاة

الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي/ قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس

الحلقة الرابعة : شروط القصر في الصلاة وهي أربعة شروط :

الشرط الأول : نِيَّةُ السَّفَرِ : وَهو شَرط مجمع عليه عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ .

وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنبلية فِي السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ أن يكون مباحاً وأَلاَّ يَكُونَ لِمَعْصِيَةٍ ، فَلاَ يَقْصُرُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ لأِنَّ الرُّخصَ لاَ يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْمَعَاصِي ؛ وَجَوَازُ الرُّخْصة فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إِعَانَةٌ عَلَيها وَهَذَا لاَ يَجُوزُ . فَإِنْ قَصَرَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَفي الأرجح عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ يُعِيدُ الصَّلاَةَ وَلكنه يأثم بالعِصْيَان .

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحاً لعموم الأدلة على مشروعية قصر الصلاة ؛ لأنها لم تفرّق بين سفر وسفر أو بين مسافر ومسافر ، ومنها مثلاً قوله سبحانه وتعالى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ… } البقرة 184 ، وقوله عز وجل أيضاً { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } البقرة 139 ، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما { إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل فَرَضَ الصَّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعاً ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً } رواه مسلم ، فَوَجَبَ الْعَمَل بِعُمُوم هذه النُّصُوصِ وَإِطْلاَقِهَا لعدم ورود ما يخصّصها أو يقيّدها .

الشرط الثَّانِي : مَسَافَةُ السَّفَرِ

وَهُوَ أَنْ يَقصدَ المسافر مَسِيرَةَ مَسَافَةِ السَّفَرِ الْمُقَدَّرَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وأن يقطعها بالفعل ، ومعلوم ـــ كما ذكرت في الحلقة الأولى من هذه السلسلة ـــ أن مسافة قصر الصلاة تقدر اليوم بثلاثة وثمانين كيلو متراً تبدأ بمفارقة العمران .

الشرط الثالث : الْخُرُوجُ مِنْ عمران بلده : فَلا يجوز للمسافر الْقَصْرُ إِلاَّ بأَنْ يُجَاوِزَ مَحَل إِقَامَتِهِ ، وقد بينتُ في الحلقة السابقة من هذه السلسلة بأن الْمُعْتَبَر في ذلك هو مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ مِنَ الْجَانِبِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ المسافر وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْجَوَانِبِ بُيُوتٌ . وَيَدْخُل فِي بُيُوتِ الْبلد الْمَبَانِي الْمُحِيطَةُ بِهِ والمرافق كالمدارس والملاعب وغيرها ،

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه سلم لم يقصر فِي سَفَرِهِ إِلاَّ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ المنورة .

الشرط الرَّابِع : اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْقَصْرِ عِنْدَ كُل صَلاَةٍ

وأود التذكير هنا بأن النية هي العزم على الفعل ، ولا يشترط التلفظ بها لأن محلها القلب وقد أجمع أكثر أهل العلم على ذلك ، فلا يتلفظ بالنية إلا للإحرام بالحج فقط لورود الأحاديث الصحيحة فيه .

يُشْتَرَطُ لقصر الصلاة أن ينويه المسافر عند دخوله الصلاة بتكبيرة الإحرام ، وَنِيَّةِ الْقَصْرِ عند الشافعية والحنبلية مَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلاً رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ الرخصة ، وَمِثْلها أيضاً مَا لَوْ قَال في نفسه : أُؤَدِّي صَلاَةَ السَّفَرِ ، أما لَوْ لَمْ ينوِ ذلك بِأَنْ نَوَى الإْتْمَامَ أَوْ أَطْلَقَ نيته فعليه أن يتم صلاته ولا يقصرها .

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيرون أنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ تَجْعَل فَرْضَ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا يَكْفِي .

بينما يرى الْمَالِكِيَّةِ في أحد القولين أن نِيَّةُ الْقَصْرِ تكفي فِي أَوَّل صَلاَةٍ يَقْصُرُهَا فِي السَّفَرِ ، وَلاَ يَلْزَمُ تَجْدِيدُهَا فِيمَا بَعْدَهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ ، وفي القول الثاني لاَ بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْقَصْرِ عِنْدَ كُل صَلاَةٍ .

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ البعد عن كل ما يُنَافِي نِيَّةَ الْقَصْرِ فِي دَوَامِ الصَّلاَةِ وَذَلِكَ مِثْل نِيَّةِ الإْتْمَامِ ، فَلَوْ نَوَى الإْتْمَامَ بَعْدَ نِيَّةِ الْقَصْرِ فعليه الإتمام ، وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِراً ثُمَّ تَرَدَّدَ هل يَقْصُرُ أَمْ يُتِمُّ وجب عليه الإتمام ، وكذلك لو شَكَّ هل نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لاَ فعليه أن يتم حتى وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الْحَال أَنَّهُ نَوَاهُ ، أما إن قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْداً بِلاَ مُوجِبٍ كَنِيَّة الإتمام أَوْ نِيَّةِ الإِقَامَةٍ فقد بَطَلَتْ صَلاَتُهُ .

ومثلهم الْحَنبلية ، فَعِنْدَهُمْ إِنْ عَزَمَ الْمُسَافِرُ فِي صَلاَتِهِ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ بِهِ الإْتْمَامُ كالإْقَامَةِ أو سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وجب عليه أَنْ يُتِمَّ الصلاة لِأن الإتمام هو الأْصْل ، فإن تاب مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أثناء صلاَةِ القصر الَّتِي شرع بهَا في تكبيرة الإحرام لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّها وَلو أنه نوى الْقَصْر فهذه النية لا تنعقد ، وَكَذلك إن نَوَى المسافر خَلْفَ مُقِيمٍ عَالِماً بِأَنَّ إِمَامَهُ مُقِيمٌ لاَ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ فَلا تَنْعَقِدْ نيته .

الشرط الخامس عند الشافعية : الْعِلْمَ بِجَوَازِ الْقَصْرِ ،

فَلَوْ قَصَرَ المسافر صلاته جَاهِلاً بِان القصر جائز لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ لِتَلاَعُبِهِ ؛ حيث إنه أنقص عدد ركعات الصلاة المفروضة عليه من أربع إلى اثنتين بغير سبب .

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : لَو أتم المسافر الأْرْبَعَ ركعات لاَ تقَعُ كُلها فَرْضاً ، بَل الْمَفْرُوضُ عليه رَكْعَتَانِ وتقع الثالثة والرابعة تَطَوُّعاً ، فلَوْ لَمْ يَجلس عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ للتَّشَهُّدِ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ لأِنَّهَا الْجلسة الأْخِيرَةُ بحَقِّهِ ، فإِذَا أَتَمَّ سَاهِياً صَحَّتْ صَلاَتُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ ، أما إذا أتمها أربعاً عَمْداً وَجَلَسَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ صَحَّتْ صَلاَتُهُ وَأَسَاءَ لِتَأْخِيرِهِ التسليم عَنْ مَكَانِهِ حيث جعله بعد الرابعة وليس بعد الثانية .

بينما يرى الْمَالِكِيَّة أن المسافر إذا نَوَى أثناء صلاَةِ القصر الإْقَامَةَ الْقَاطِعَةَ لِحُكْمِ السَّفَرِ في البلد التي سافر إليها فالأفضل له أن يشفعَ بِالركعة الرابعة في حالة قيامه للركْعَة الثالثة ويجعلهما نَافِلَةً ، أما إن صلاها ركعتين قصراً فجائز لأن هذا هو الأصل .

اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ والمقيم بالمسافر

وهذه المسألة اختلف الفقهاء فيها على عدة مذاهب :

فذهب الْحَنَفِيَّةُ إلى أنه يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالإمام الْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ ، وَيَنْقَلِبُ فَرْضُ الْمُسَافِرِ أَرْبَعاً لأِنَّ المسافر لَمَّا اقْتَدَى بِهِذا الإمام صَارَ تَبَعاً لَهُ فوجبت عليه مُتَابَعته لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّمَا جُعِل الإْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ } رواه مسلم .

ولكن لاَ يَصِحُّ عندهم اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ بعد خروج الوقت لأِنَّها مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ الذي هُوَ خَلَفٌ عَنِ الأْدَاءِ .

وَأَمَّا اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالإمام الْمُسَافِرِ فَيَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَخَارِجَ الْوَقْتِ لأِنَّ صَلاَةَ الْمُسَافِرِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَاحِدَةٌ ، فإِذَا سَلَّمَ الإْمَامُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لاَ يُسَلِّمُ الْمُقِيمُ لأِنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَطْرُ الصَّلاَةِ فَلَوْ سَلَّمَ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ ، بل عليه أن يَقُوم وَيُتِمهَا أَرْبَعاً لِقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَتِمُّوا يَا أَهْل مَكَّةَ صَلاَتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ } رواه أبو داود ، وَيَقُول الإْمَامُ الْمُسَافِرُ ذَلِكَ لِلْمُقِيمِينَ اقْتِدَاءً بِالرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وسلم .

وَذهب الْمَالِكِيَّةِ إلى أنه يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، فَيَلْزَمُهُ الإْتْمَامُ وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ لِأن مُتَابَعَة الإْمَامِ أولى ، وَيَجُوزُ عندهم أَيْضاً اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، فيُسَلِّمُ الْمُسَافِرُ وَيُتِمُّ الْمُقِيمُ .

وذهب الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنبلية إلى أن اقْتِدَاء الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ جائز وَيَلْزَمُهُ الإْتْمَامُ ، ويَجُوزُ عندهم أيضاً اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ ويلزمه الإْتْمَامَ .

قضَاءُ فَائِتَةِ السَّفَرِ فِي الْحَضَرِ

ذهب كل من الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة إلى أن مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ فِي السَّفَرِ قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ فِي الْحَضَرِ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعاً لأِنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الأْدَاءِ ،

أما الْحَنبلية فقالوا : إِذَا نَسِيَ صَلاَةَ حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ أَوْ نَسِيَ صَلاَةَ سَفَرٍ فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ صَلَّى فِي الْحَالَتَيْنِ صَلاَةَ حَضَرٍ لأِنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ فَيَبْطُل بِزَوَالِهِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي المذهب الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّ المسافر لو فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ صَلاَةٌ فَأَرَادَ قَضَاءَهَا فِي السَّفَرِ قضاها أربعاً لأِنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ صَلاَةٌ تَامَّةٌ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ ، أما إِذا فَاتَتْهُ صلاة فِي السَّفَرِ وأراد قضاءها في الحضر فلَهُ أن يتم وله أَنْ يَقْصُرَ وَهُوَ الأْصَحُّ لأِنَّ القصر تَخْفِيفٌ تَعَلَّقَ بِعُذْرٍ وَالْعُذْرُ بَاقٍ فَكَانَ التَّخْفِيفُ بَاقِياً .

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock