آراء وكتابهام

التل يكتب: الكوفحي ووجه المدينة

محمد حسن التل

كتبت قبل شهور مقالًا الغراء تحت عنوان ” من شوه وجه العروس”، أشرت فيه إلى الأوضاع المزرية التي يعاني منها واقع الخدمات في إربد الذي ظل يتراكم عاما بعد عام حتى وصل إلى ما وصل إليه، وما زالت شكوى الناس هناك تعلو يوما بعد يوم، فإربد لم تعد تلك المدينة الجميلة الوادعة ذات الهواء النقي، بعد أن شوهت الفوضى وجهها الجميل وأفقدتها هدوءها، وأعني بالفوضى هنا الفوضى المرورية وفوضى الاعتداء على الأرصفة والطرق من قبل آلاف البسطات العشوائية.

كما أن النظافة أصبحت في إربد تعاني هي أيضا من تراجع حاد فيها، وانتشرت أكوام النفايات في كل الطرقات.

في حينها اتصل بي الاستاذ رضوان العتوم المحافظ المخضرم لاربد وشرح لي في مكالمة مطولة المعانة في اربد نتيجة التعقيدات الكثيرة والتي تحول دون تطوير الخدمات رغم الجهاد الكبيرة التي تبذل في هذا الشأن وأشهد أن الرجل كان صدقا فيما يقول.

تعيش إربد اليوم بداية مرحلة جديدة بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، وفوز المهندس نبيل الكوفحي بمنصب رئيس بلدية إربد الكبرى.

وللحقيقة أنني عرفت المهندس الكوفحي منذ أكثر من ثلاثين عاما، حيث كان نموذجا نادرا في حب العمل العام السياسي والاجتماعي، لا يهدأ في سبيل تحقيق هدفه، ويسعى إليه بإصراروصاحب قرار وقد رضع هذا من ابيه الصالح الشيخ الداعية الدكتور أحمد الكوفحي الذي كان والدي رحمه الله تعالى يقول عنه أنه أقرب إلى الملائكة من البشر. رافقت الدكتور نبيل الكوفحي في العمل الدعوي لفترة لا بأس بها، وكنت معه في أكثر من حملة انتخابية حيث كان الرجل مخلصا لفكرته وانتمائه، وأذكر أنه كان رأس حربة في الانتخابات التكميلية التي خاضتها الحركة الإسلامية مرشحة آنذاك الدكتور عبد المجيد نصير في ثمانيات القرنالماضي، وكانت الظروف السياسية صعبة، لكن نبيل لم يتردد عن القيام بواجبه، وظل يقود الحملة إلى آخر لحظة، حتى قضى الله تعالى ما شاء، ثم بانتخابات عام 1993، تكرر ذات الأمر، وقاد الحملة الانتخابية للحركة الإسلامية في إربد، وكانت الظروف آنذاك صعبة أيضا.

وفي إضرابات جامعة اليرموك في العام 1986، كان أبو أنس من أبرز قيادات هذا العمل الطلابي التاريخي، وقدم ما قدم، وبعد امتداد السنين، وحدث ما حدث من حراك داخلي في جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، حيث ضاق الحزب بسعة فكر كثير من أبنائه، قرر هؤلاء المغادرة لإنشاء ما عرف بزمزم، ولكنهم لم يغادروا الفكرة، وظلوا مخلصين للدعوة يعملون ضمن فكرتها وغايتها بعد أن تأكدوا أن الحزب ومن خلفه الجماعة أصبحا بحاجة إلى خلق فهم جديد للتعامل مع مقتضيات الحاضر والمستقبل، ولكن البعض داخل الجماعة أغلق الأبواب في وجه التجديد وكان ما كان.

المهندس نبيل الكوفحي يعود اليوم إلى بلدية إربد بعد عشرين عاما، ورغم فترة وجوده القصيرة في المرة الماضية، إلا أنه أنجز الكثير وأنعش دور البلدية في الاستثمار، حيث أنشأ العديد من المشاريع التجارية وكانت أهدافه وخططه كثيرة وواقعية نحو خدمة إربد، إلا أن الأمر لم يكتمل وتم اغتيال التجربة مبكرا.

تعاني إربد اليوم من فوضى مرورية تكاد تخنقها، ومن تخبط في التخطيط ومن مستوى في النظافة يكاد يكون منعدما، وهذا الواقع الصعب يأتي متزامنا مع وضع مالي أصعب. لقد توسعت إربد بشكل كبير وسريع وتضاعف عدد سكانها الأمر الذي شكل عبئا على البنية التحتية فيها، ومن المعلوم أن بلدية إربد لا تخدم مواطنيها فقط، بل تخدم ما يزيد عن مئة وخمسين قرية، إضافة إلى المحافظات المجاورة، حيث يكون فيها أثناء النهار ما يزيد عن مليون مواطن وربما أكثر، وكل هذا يزيد من الضغط على الخدمات البلدية.

أستطيع أن أقول أن المهندس نبيل الكوفحي الرئيس العائد إلى سدة رئاسة البلدية في إربد، هو رجل ميدان بكل معنى الوصف، وبحكم معرفتي به أقول إن الرجل يستطيع أن يعمل 24 ساعة دون تعب أو كلل، وهو يدرك تماما حجم المسؤولية الملقاة على كاهله، وعليه أن يدرك أيضا أن حجم الارتياح الكبير الذي أوجدته عودته إلى رئاسة البلدية تشكل عليه حملًا أخر، فالناس يأملون منه الكثير وهم متفائلون بعودته، لأنهم يدركون بأنه يحمل مشروعا متكاملا لإنقاذ مدينتهم، العروس الجميلة الذي شوه وجهها الإهمال وسوء التخطيط.
أنا هنا لا أطعن بمن سبق في رئاسة بلدية إربد، فكل له اجتهاده وطريقته في الإدارة، وكلهم كانوا أصحاب نية صادقة في خدمة مدينتهم.

نحن الآن في إربد أمام سباق جديد، يتقدمه رئيس متوثب في ظل قضايا معقدة، ووضع مالي صعب، لكن الأمل بأن الرئيس الجديد وصحبه في المجلس البلدي سيستطيعون خلق واقع أفضل للمدينة، ويحاولون الخروج بإربد من أزماتها وعلى رأسها النظافة والفوضى المرورية والتطاول على القانون، شريطة أن يكون سندا لهم الناس أولا، وأن يتفهموا صعوبة المهمة أمام المجلس الجديد ورئيسه، ثم التعاون المطلق من كل القطاعات الرسمية والخاصة. وعلى الطرف الآخر، وأعني رئيس البلدية ومجلسه، أن تتسع صدورهم للناس، وأن يتحملوا شكواهم وضغطهم، فصاحب الحاجة ليس أرعنًا، بل مضطرًا.

وفي النهاية لا بد لمراكز القرار في عمان أن تعيد النظر بدعمها لبلدية إربد الكبرى، إذ أنها تشكل كبرى البلديات بعد أمانة عمان، ولا يجوز أن تبقى وحدها تعاني وهي بحاجة إلى الدعم الذي تستحقه لأنها تخدم أكثر من ثلث عدد مواطني المملكة.

لنقف جمعيا مع الرئيس الكوفحي وصحبه في المجلس البلدي حتى يستطيعوا أن يحققوا ما نصبوا إليه من واقع يليق بمديتنا ويعود لها وجهها الجميل..

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock