هام

هل نحن أمام موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار؟

الحياة نيوز-

هل أمننا الغذائي في خطر؟ سؤال يطرح نفسه في ظل الارتفاعات الحادة التي تشهدها أسعار السلع العالمية، والتي تنذر بموجة تضخمية بدأت تظهر في أسواق الدول الصناعية الكبرى وتلقي بظلالها الوخيمة على الدول النامية والفقيرة مع تصاعد فاتورة الاستيراد.

الأرقام الواردة من منظمة الغذاء والزراعة العالمية “فاو” تظهر حقيقة قاتمة، وهي تسجيل سلع أساسية أعلى مستوى في عقد خلال شهر مايو الماضي، وخصوصا للحبوب والسكر والزيوت.

أسباب الارتفاع متعددة تتصدرها تأثيرات جائحة كورونا على سلاسل الامداد العالمية ، وصعود تكاليف المواد الخام وزيادات قياسية لتكاليف الشحن ، فضلا عن تأثر الصناعات العالمية بنقص القوى العاملة نتيجة الاغلاقات التي شهدتها دول  التصدير بعد تفشي كورونا، فضلا ارتفاع مستويات التخزين في بعض الدول المستوردة من السلع الغذائية وتدني مستويات الانتاج لغايات التصدير لصالح الأسواق المحلية، وظهور عوامل موسمية داخلية في بعض البلدان كالجفاف، ما أفرز حالة من نقص المعروض.

التقرير الأخير لمنظمة “فاو” على موقعها الرسمي يؤكد ارتفاع متوسط مؤشر أسعار الغذاء الشهر الماضي 4.8 %عن مستواه في أبريل و39.7 % عن مستواه في الفترة نفسها من العام السابق. ومثلت الزيادة المسجلة خلال الشهر الماضي أكبر نمو من شهر إلى آخر منذ أكتوبر 2010. كما شكل الارتفاع الشهري الثاني عشر على التوالي في قيمة المؤشر الذي بلغ أعلى مستوى له منذ سبتمبر 2011، حيث عكست الزيادة الحادة في شهر مايو ارتفاعًا في أسعار الزيوت والسكر والحبوب مقابل ثبات أسعار اللحوم ومنتجات الألبان.

تكاليف الشحن

 الارتفاعات الحاصلة في الأسعار تتعدى السلع الأساسية الى أسواق المعادن والنفط، والتي شهدت هي الأخرى زيادات وصلت الى 40 % من بداية العام الجاري مع إعادة فتح الاقتصادات العالمية وزيادة وتيرة انتشار اللقاحات ضد الوباء وانتعاش حركة البناء والنقل والشحن حول العالم.

أجور الشحن شكلت ضربة قاصمة أخرى لأسعار السلع مما يهدد بارتفاع التضخم ومضاعفة فاتورة الاستهلاك للأفراد في العالم، حيث يؤكد تجار ارتفاع أسعار الشحن من الصين الى 11 ألف دولار للحاوية، مما سيضيف أعباء جديدة على تكلفة المنتجات الصينية التي تستهلكها أسواقنا بشكل كبير.

هل الارتفاعات مستمرة؟

قراءة متأنية للمشهد تؤكد أن الارتفاعات السعرية مؤقتة بالنظر الى احتمال زوال أصل الازمة وهي الجائحة ، فالدورات الاقتصادية عادة لا تشهد ثباتا ، وتداعيات كورونا ستشهد تقلصا تدريجيا مع وصول الأسواق الى حالة الاشباع ، مما سيؤدي الى تراجع نمو الطلب العالمي على السلع ، وهناك حقيقة أن عجلة الإنتاج بدأت فعليا بالانتعاش في الدول المصدرة الرئيسية ، وهذا ما تظهره أرقام مؤشرات المنتجين في دول مثل الصين والولايات المتحدة وألمانيا.

من هنا يرجح أن تشهد أسعار السلع ارتفاعا يصل الى 20 % حتى نهاية العام الجاري 2021، فيما يتوقع أن تبدأ بعدها موجة الانحسار في الزيادات مع تباطؤ الطلب وزيادة المخزونات السلعية وخصوصا للمواد الأساسية في الدول والمناطق المستهلكة الكبرى.

ما أكثر الدول المتأثرة ؟

لا شك أن الدول التي تعتمد على استيراد الغذاء وليس التصنيع المحلي هي من أكثر الدول المتأثرة بالغلاء، فدولة كالأردن تستورد 90% من احتياجاتها من المواد الغذائية ستعاني من لهيب ارتفاع الأسعار.

وبحسب أرقام رسمية يبلغ عدد الحاويات التي ترد إلى الأردن سنويا نحو 500 ألف حاوية متكافئة، مقابل 120 ألف حاوية متكافئة صادرة محملة بالبضائع.

 ويقول مصنعون أردنيون ان الصناعة الوطنية لا تغطي أكثر من 45 % من حاجة السوق المحلية، مما يعني أننا أمام خلل مزوج وهو ارتفاع الأسعار العالمية وضعف الإنتاج والصناعة المحلية وقدراتها على تأمين مستلزمات احتياجات السوق.

الحلول المطلوبة

تحتاج دولة مثل الأردن الى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار السلع العالمية على المديين القصير وبعيد المدى.

الإجراءات قصيرة المدى تتمثل في تقنين فاتورة الاستيراد وتشجيع الترشيد في الاستهلاك ،ودراسة وضع أسعار معقولة لاحتساب الرسوم الجمركية على السلع المستوردة حتى لا تساهم الدولة في زيادة فاتورة الغذاء، وحتى تكون قادرة على مواجهة جشع بعض التجار الذين شرعوا بالفعل في زيادة الأسعار حتى قبل موجة الغلاء الأخيرة.

يبدو خيار تنويع أسواق الاستيراد ضروريا في المرحلة الحالية حتى تنقشع أزمة الغلاء، من هنا علينا اللجوء الى أسواق استيراد أقل تكلفة من الصين لتجنب ارتفاع تكاليف الشحن الجنونية ، ونحتاج الى اللجوء الى الاسواق التصديرية القريبة التي تتمتع بميزة تنافسية وسعرية عالية ومدخلات انتاج أقل تكلفة من مدخلات الإنتاج للسلع ذات المنشأ الصيني والاسيوي وحتى الغربي.

أما الإجراءات طويلة المدى فتستدعي إعداد استراتيجيات صناعية وزراعية عاجلة في الأردن ومتواكبة مع المتغيرات العالمية، وذلك بتعظيم الإنتاج المحلي، ومنح تسهيلات ومزايا ضريبية وتمويلية للمستثمرين في الصناعات الغذائية.

تحقيق الامن الغذائي لا يحتاج للتباطؤ أو مجرد إجراءات عاجلة وآنية ،علينا التفكير باليوم الذي سوف تتقلص فيه فاتورة الاستيراد ، لان النسب الحالية لمستورداتنا الغذائية تظهر أن أمننا الغذائي رهينة للتقلبات الاقتصادية والسعرية العالمية ، وربما لن يكون بمقدورنا في المستقبل في ظل غياب سياسات ناجعة تأمين احتياجاتنا من الغذاء سوى بمزيد من الدين وتضييق الخناق على القطاع الخاص الذي يعاني أصلا من تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين وتدني مستويات دخل الأفراد مع تقلبات سوق العمل ووصول معدلات البطالة الى مستويات تاريخية تصل الى 24.7% في المتوسط وتزيد في أوساط الشباب الى الضعف.

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock