آراء وكتاب

العمر

عبدالهادي راجي المجالي

أنا مؤدب وملتزم بأصول المواطنة، ذات يوم انقطعت الكهرباء في حارتنا، فاتصلت مع شركة الكهرباء كي يحضر أحد منها ويصلح الخلل، لكن أحدا لم يأت وأنا بطبعي لم أغضب …مع أني تحدثت معهم بود ووصفت لهم العنوان بدقة، وشكرتهم على جهودهم المتفانية.. وأتذكر أني ذات يوم، اتصلت بأعطال المياه وأخبرتهم، بأن ساعة أحد الجيران تنزف الكثير من الماء.. ووعدوني أن يرسلوا صهريجا، ولكن أحدا لم يأت.

حتى الشرطة لدي اتصالات معها، فذات يوم أخبرتهم عن سيارة متوقفة في فناء منزلنا، منذ أسبوع وشككت في أمرها، وظننت أنها مفخخة وأن أحدا يريد استهدافي، طلبوا مني رقمها.. وتبين فيما بعد أنها لأحد أبناء عمومتي، فقد غادر للعمرة وتركها في فناء منزلي ونسي الحارس أن يخبرني.. وأنا خجلت من نفسي، ومع ذلك لم يأت أحد من الشرطة.

أتذكر أني قبل أعوام أيضا، تحدثت مع الدفاع المدني، حين أغلقت العاصفة (أليكسا) شارع حارتنا، وأخبرتهم أن هنالك سيدة مسنة، وتحتاج لأن نوفر لها بعضا من المؤن، وقالوا لي: ابشر أستاذ ثم أعطوني رقم أحدهم كي أتصل به، وفعلت ووعدني بالحضور.. وفيما بعد أغلق الخط، ولم يأت.. لا أعرف لماذا، لكني مواطن مؤدب ولا أعترض.

تخيلوا.. حتى (الفني) الذي يصلح لي (الستلايت) هاتفته أمس، كي يحضر على وجه العجل ووعدني.. ولكنه لم يأت، ماذا حدث معه لا أعرف، لكنه أرسل لي رسالة بعد أن قمت بالاتصال به (9) مرات تقول: (حل عني)..

ياما انتظرت أناسا كنت محتاجا لهم، ولكن أحدا منهم لم يأت.. لقد خذلوني وتركوني في لجة الإنتظار، الشيء الوحيد الذي يأتيك حاملا لك الهم.. ودون أن تطلبه أو تهاتفه، أو حتى تهمس له هو العمر.. يأتيك دون أذن منك، ودون طلب.. هذا هو الشيء الوحيد الذي تمنيت أن لايأتيني وأبقى شقيا وصعلوكا ومتمردا على ضفاف العمر..

العمر هو الشيء الوحيد الذي بقي وفيا لي ولم يخذلني ولم يخلف مواعيده، في حين أن الكل أخل بموعده معي..

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock