آراء وكتابهام

هذا هو الإسلام إلزام المجتمع ببنود اتفاقية سيداو انهيار لقيمه الدينية والأخلاقية

الحياة نيوز- الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس الحلقة الثانية : وما زال حديثي عن اتفاقية سيداو ، التي عرفت مصطلح ” التمييز ضد المرأة ” بأنه أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس يهدف إلى عدم الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر ، أو الحيلولة دون تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها ، ولذا تعتقد كثير من النساء أن هذه الاتفاقية هي المنقذ لهن من المعاناة المؤلمة ومن الممارسات التمييزية والعنفية ضدهن ، أو أن بها الخلاص من الظلم والحيف الواقع عليهن من المجتمع ،وهنا أدعو المرأة إلى إمعان النظر جيداً في نصوص الاتفاقية وتأملها بعمق والتفكر في آثارها وتداعياتها ، حينها ستكتشف الخديعة الكبرى التي وقعت فيها ، فالاتفاقية تثقل كاهلها بأعباء وواجبات إضافة إلى ما لديها من مسؤوليات عظام ، مما يعرضها للملاحقة القضائية وما يترتب عليها من المساءلة والملاحقة والمعاقبة بقوة القانون ، كنت قد ذكرت أمثلة على ذلك في حلقة الأسبوع الماضي
واليوم سترى المرأة بنفسها أمثلة أخرى :* تنص الفقرة (و) من البند الأول في المادة رقم 16 على أن للمرأة نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم …وهنا أؤكد أن هذه مفاهيم شرعية لا بد من إلقاء الضوء عليها تبياناً وتوضيحاً :الولاية هي سلطة شرعية يتمكن بها صاحبها من القيام على شؤون الصغار الشخصية والمالية ، وتبدأ الولاية الشرعية على الصغير منذ ولادته إلى أن يبلغ رشيداً وتكون على الصغير غير المميز وعلى الصغير المميز، وهي واجبة لمصلحة كل قاصر سواء في ذلك الصغير وغير الصغير وبمقتضاها يجب على الولي الإشراف على شؤون القاصر كتعليمه وتطبيبه وتأديبه وإحسان تنشئته بغرس الأخلاق الكريمة والقيم الصالحة وتعويده على السلوك القويم وحسن التعامل والولاية تكليف يتضمن مسؤوليات وواجبات كثيرة يجب على الولي القيام بها وتأمينها للقاصر ، فهي بالتالي حق للقاصر وليست تشريفاً أو امتيازاً للولي على غيره ،والأصل أن الولاية تكون بيد الأب في الأحوال الطبيعية العادية التي يكون فيها هو الأقدر على القيام بمسؤولياتها والأكثر تحملاً لأعبائها ومصاعبها ، ولكنها قد تنتقل إلى الأم بقرار القاضي عند عدم الأولياء المنصوص على ترتيبهم في الفقه أو عدم توافر الشروط اللازمة لتنصيبهم أولياء على القاصر بقرار من القاضي .أما الوصاية فهي أمر بالتصرف يوجب النيابة عن الموصي بعد موته ، فالوصي المختار هو من يختاره الأب أو الجد نائباً عنه ليتصرف في أمواله ويقوم على مصالح المستضعفين من ورثته ، والوصي المعيّن هو الذي يعينه القاضي للإشراف على شؤون القاصر المالية مما يعني أن الوصاية قد تكون للأم سواء باختيار الأب وباختيار القاضي ومسؤولية الوصي أولاً الإنفاق على الصغير نفسه من غير إسراف أو تبذير ، وثانياً حفظ مال القاصر من التلف والضياع والهلاك ، ولذلك يمتنع على الوصي أي تصرف يضر بمال القاصر كالهبة أو التبرع أو القرض أو الرهن وإسقاط الدين أو كفالة الآخرين ، وثالثاً إخراج ما يتعلق بهذا المال من حقوق كالزكاة والإنفاق على من تجب نفقته في مال القاصر ، فإن ظهر عجز الوصي عن القيام بهذه المسؤوليات أو ثبتت خيانته عزله القاضي .ومفهوم القوامة الزوجية هو الآخر من المفاهيم التي اعتراها الخطأ في التأويل والفهم والتطبيق ، فهناك من يرى أنها تسلط وتعنت وقهر للمرأة وإلغاء لشخصيتها ، والحقيقة ليست كذلك بتاتاً ، والأصل في قوامة الزوج على المرأة في الأسرة قوله تعالى { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ … } النساء 34 ،فالقوامة الزوجية هي ولاية يفوَّض بموجبها الزوج القيام على ما يصلح شؤون زوجته بالتدبير والصيانة والحفظ والحماية وهي بذلك تكليف للزوج وليست تشريفاً أو امتيازاً له عليها بل هي تكريم للزوجة حتى تتفرغ لواجبات أهم ومسؤوليات أعظم وهي تربية النشء وإعداد الأجيال فقد أوجب الشارع على الزوج رعاية زوجته التي ارتبط بها برباط الشرع ورعاية مصالحها والذب عنها وبذل الأسباب المحققة لسعادتها وطمأنينتها وما ذاك إلا لأن الله سبحانه وضع في الرجل مزايا تمكّنه القيام بمهام القوامة وفي نقل القوامة الزوجية إلى المرأة إعنات لها ومن جانب آخر فتكليف الرجل بالإنفاق على الأسرة وعلى الزوجة يمكّنه القيام بمهام القوامة أيضاً وليس كما تظن بعض النساء أن الإنفاق تحديداً هو الذي أكسبه مهمة القوامة ولهذا السبب أيضاً تدعو نصوص الاتفاقية إلى إلزام المرأة بالإنفاق ، فالباعث وراء تحميل المرأة عبء الإنفاق هو الاعتقاد الخاطئ السائد بيننا بأن فكرة قوامة الرجل في الأسرة مرتبطة بتحمله عبء النفقة الزوجية ونفقة الأسرة والأطفال ، فظنوا أن تكليف المرأة بهذا الإنفاق سيجعلها تستحق عند ذلك مركز القوامة والقيادة للأسرة ، ولذلك أجدد التأكيد وأقرر أن القوامة هي حق للزوجة وتكليف للزوج حتى يقوم بمسؤولياتها وحقوقها ومتطلباتها ، فإن قصَّر فيها فهو مبرر كافٍ لها لتطلب هذه الحقوق منه لدى القاضي ، بل لها أن تطلب بسببها الطلاق أمام القاضي مع احتفاظها بكامل حقوقها المترتبة على الطلاق .[ فالله سبحانه وتعالى إذن جعل القوامة بيد الرجل بحكمته ، ولكنه لم يجعل ذلك مطلقاً يستغله الرجال في إذلال النساء والتحكم بهن وفق أهوائهم وما تشتيه أنفسهم ، بل قيد تلك الوظيفة بضوابط وقيود من شأنها أن تكون سبباً في فهم الرجال للقوامة التي أرادها الشارع وتنبه النساء إلى ذلك ، وتردع كل من يستغل تلك الوظيفة الشرعية لإهانة المرأة والحط من قدرها، وسلبها حقوقها ]إن الناظر المتمعن في مصادر الفقه الإسلامي ومراجعه في مسائل الرضاع والحضانة والوصاية والولاية وغيرها من مسائل الأحوال الشخصية يدرك أن القاعدة العامة التي ينطلق منها التشريع الإسلامي في تلك المسائل أنّ القيام بها مقيّدٌ بترجيح مصلحة القاصر وتقديمها على ما سواها ، فهي الأولى بالاعتبار وذلك بدليل الشروط التي يجب توافرها في كل من الولي والوصي والحاضن والقيّم على المال ، وبعض الكتب نصت صراحة أو دلالة على ذلك : من ذلك مثلاً ما جاء في كتاب بدائع الصنائع (في الفقه الحنفي)على الصفحة 155 من الجزء الخامس حول مسألة ترتيب الأولياء [ لأن الولاية على الصغار باعتبار النظر لهم ] .وقد روت لنا المصادر الفقهية قصة القاضي الذي أراد نقل حضانة الطفل إلى أبيه بعد انتهاء حضانة أمه فخير الطفل بين أمه وأبيه فاختار أباه ، فلما عرف منه أن سبب اختياره هو عدم اهتمام الأب بحسن تربيته ولا بطلبه العلم قرر القاضي أن يظل هذا الطفل عند أمه ، وفي قصة أخرى قرر القاضي حسب الأصول المعمول بها أن يكون الطفل عند عمه الذي كان فقيراً وأن الذي كان ينفق على الطفل هو خاله ، وهنا تدخل الخال فاشترط أن يكون الصغير عنده وإلا فإنه لن ينفق عليه ، فحكم القاضي بالطفل لخاله لأن مصلحة الطفل عنده .إن الله سبحانه وتعالى لما شرع الشرائع سنَّها حسب علمه وحكمته ، فهو سبحانه الذي خلق الذكر والأنثى ولا يمكن أبداً أن يحابي ذكراً على أنثى فكلهم خلقه ، وهو الأرحم بهم والأعلم بما يناسب كلاً منهما من التشريعات والأوامر والنواهي والواجبات ، قال تعالى { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الملك 14 ، وقد جعل عز وجل العلاقة بينهما قائمة على أساس التكامل لا على أساس التفاضل ، إنه التوازن الذي يصون المجتمع جميعاً والحياة كلها ، هذا بشرط الفهم الصحيح للنصوص والتطبيق السليم لها في واقع الحياة ، وأما سوء التطبيق فيعالج بتصويب المفاهيم وليس بإلغائها أو استبدالها بأخرى من صنع البشرإننا لا ننكر أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية ـ شأنها في ذلك شأن جميع المجتمعات العالمية ـ تفتقر إلى الارتقاء بأوضاع المرأة ومحاربة الممارسات الخاطئة ضدها ، ورفع الجور عنها ، ولن يكون الحل أبداً تطبيق اتفاقية سيداو ، بل تطبيق شرع الله وأحكام دينه والتزام تعاليمه الربانية العادلة التي حفظت حقوق جميع العباد من المسلمين وغيرهم نساء ورجالاً ومسنين وأطفالاً ، بل حتى حكاماً ومحكومين ، وكل ما نحتاجه لإنفاذ ذلك صدق العزيمة وبذل الجهد والإخلاص في العمل والحزم في التطبيق ، والمطلوب أيضاً من السلطة الوطنية الفلسطينية سحب تصديقها على هذه الاتفاقية وإلغاء كل التشريعات والقوانين التي صدرت بموجبها في مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء ، والمطلوب أيضاً من اللجنة المكلفة من قبل وزارة العدل بمواءمة التشريعات والقوانين النافذة في فلسطين مع نصوص اتفاقية سيداو أن توائمها مع النصوص والأحكام الشرعية التزاماً وتطبيقاً لقوله تعالى { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ … } المائدة 49 ، فهذا الأولى بها وفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) الذي يعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع .فمن كان صادق الحرص على المرأة وعلى حقوقها فلدينا مرجعية خيراً من سيداو ، لدينا أحكام شرع الله التي كفلت للمرأة حقوقها بشكل جدي صادق ولم تنقص منها شيئاً ، فالله سبحانه هو الذي قرر الحقوق لكل إنسان من أفراد المجتمع بغضّ النظر عن جنسه ومركزه ولونه وعرقه ، وهو الذي أوجب على الدولة ضمان التمتع بهذه الحقوق جميعها

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock