آراء وكتابهام

لماذا كانت أزمة المعلمين ؟

الحياة نيوز- كتب سميح المعايطة:

حين كان الإعلان في العام الماضي عن الاتفاق بين الحكومة ونقابة المعلمين الذي رضخت فيه الحكومة لكل المطالب وحققت فيه النقابة انتصارا سياسيا كان كل صاحب خبرة يتوقع اندلاع أزمة جديدة مع أقرب خلاف او حالة مطلبية بسبب طريقة إدارة مجلس النقابة للمعركة وبسبب نتيجة الأزمة  .فلو كانت نهاية الأزمة الأولى مختلفة لضعفت فرص ظهور أزمة جديدة .

والسؤال هل مشكلة الدولة مع المعلمين ام مع مجلس النقابة ، والواضح أن المشكلة بشكل أساسي مع المجلس ولغته السياسية وتعامله الحراكي والسياسي مع الدولة  في إدارة مطالب معيشية للمعلمين.فالمعلمون موجودون في الدولة منذ نشأتها ، وحتى قيادة الإخوان للنقابات فليست أمرا جديدا فهم في نقابات مهنية كبيرة منذ عقود بل كانوا في سنوات يسيطرون على معظم النقابات المهنية ، ورغم عدم ارتياح الدولة لهذا الوضع لكن لم يكن سلوك الدولة معهم مثلما حدث مع مجلس نقابة المعلمين .

ولم تكن المشكلة مع مطالب فنقابات عديدة طالبت بل ونظمت إضرابات واعتصامات ، لكن الجديد في قيادة مجلس نقابة المعلمين هو اللغة والخطاب السياسي الذي كان يدير فيه معاركه مع الدولة .

وبعد الانتصار في معركة العلاوات كان منطق السياسة  يقول ان الدولة لن تقبل بتكرار ما جرى في الأزمة الأولى ،ولن تقبل ان تكرس نقابة المعلمين قانونا سياسيا بذات الخطاب والأدوات وهي الإضراب والاعتصامات والتهديد ،وأن تخرج في كل مرة منتصرة ،فهذا كان سيكسر هيبة الدولة ويظهرها ضعيفة ترضخ في كل مرة ،وكأنها تقول ان من يهدد ويمارس الإضراب قادر على الحصول على ما يشاء .وكان سيكرس نقابة المعلمين حالة سياسية اجتماعية  مهيمنة تفرض ما تشاء.وليست جسما نقابيا مهنيا له وعليه.

ولو كانت خبرة مجلس النقابة السياسية كبيرة لتجنبوا اي صدام او تصعيد ،لكنهم اختاروا التصعيد في قضية لا تخص المعلمين فقط بل كل موظفي الدولة مدنيين وعسكريين وأرادوا ان يثبتوا أنهم قادرون على الانتصار وتحقيق مرادهم ،مع ان المجلس تبرع بنصف مليون دينار للحكومة وكان هذا اعترافا بأن أزمة كورونا اثرت على الدولة .

وحتى المعلمين فإنهم لم يكونوا ليحملوا نقابتهم اي مسؤلية في قضية  الموقف المؤقت للعلاوات لأنها أمر عام وشامل وليس استهدافا للمعلمين.

وبعيدا عن الخنادق وما يقال على مواقع التواصل فإن المنطق والخبرة وكل التجارب كانت تقول ان استمرار مجلس النقابة بذات المسار والخطاب والمفردات واللغة مع الدولة لن يكون مقبولا من الدولة ،وهذا ما جعل من المجلس ومن فكرة النقابة بتحولها إلى جهة تمارس عملها بلغة سياسية وحراكية قاسية وفوقية مع الدولة ،جعل المجلس وفكرة النقابة على موعد عاجلا أم آجلا مع معركة صعبة ليست معركة مطالب بل معركة وجود وتأثير  فنشوة الانتصار الأول عززت قناعة لدى مجلس النقابة أنه اكبر من نقابة ،وأنه يملك أعضاء بعشرات الآلاف وجمهورا كبيرا من الناس ،لأن بقاء هذه الحالة بهذا المسار له أبعاد تتجاوز العلاوات او اي مطالب ، وترتقي إلى مستوى لا يقل عن مواجهه اي طرف يمس صورة الدولة .

وسواء كنا منحازين لموقف الدولة أو موقف مجلس النقابة فإن ماهو واضح ان الإدارة السياسية والحراكية من المجلس لعلاقته مع الحكومة واللغة المستخدمة والتصعيد الذي يعرف العارفون ماذا يعني سواء  إقامة الخيم والاعتصام المفتوح على الدوار الرابع وغيرها من الفعاليات جعل وجود نقابة بقيادة تعمل بهذه الطريقه تهديدا سياسيا وامنيا وليس حالة مطلبية ، وقد تكون نهاية الأزمة باثمان منها فكرة النقابة ووجودها، فوجود النقابة جاء في ظرف سياسي خاص وكان على مجالس النقابة ان تحافظ على الاستمرار وليس تحويل النقابة إلى حالة قلق سياسي وامني.

ربما لن يعجب البعض هذا الوصف للأزمة ،لكن يوما ما سيدرك هؤلاء ان اي دولة لن تقبل أن تعيش تحت الضغط والتهديد من قبل جزء منها سواءا كان نقابة او حزب او جهة اجتماعية ، وأن أحرزت جهة مكسبا في قضية فعليها أن تدرك أن تكرار الصدام قد يعرضها لخطر الهيكلة او الإزالة .

ماهو واضح ان جدية الدولة في الذهاب حتى النهاية لاشك فيها ،فأي خيار آخر يعني انتصارا  آخر للطريقة التي أدار فيها مجلس النقابة معاركه ،  وهناك استعداد للتعامل مع كل استحقاقات الأزمة من ردود الأفعال وحتى ضمان بدء العام  الدراسي بنجاح .

وقد يكون أحد الأثمان التي يدفعها المجلس وعلى حساب المعلمين  تحول فكرة النقابة إلى إطار آخر  او انتهاءها ، وبعد سنين سيقتنع البعض ان خسائر المعركة الثانية لا تعوض  رغم أنها معركة لم يكن المجلس مضطرا لها .

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock