مدونة الأردن

يعقوب زيادين يُصدّر “رسالة وداع”

الحياة – محمود منير

يستأذن الشيوعي الأردني المخضرم يعقوب زيّادين الجماهير لمغادرة “الحلبة” السياسية في كتابه “لو عادت بي الأيام” الصادر عن دار أزمنة في عمّان، والذي عدّه “كتاباً أخيراً” وفيه “ما تبقى من زيت سراج العمر”
بعد زهاء سبعين عاماً من النضال في صفوف الحركة الوطنية الأردنية و”بهدوء”غير معهود منه يغادر زيّادين (90 عاما) السياسة بعد معارك ضارية خاضها في نهاية تسعينيات القرن الماضي عقب ما أسماه “مؤامرة على الحزب وعلى نهجه الفكري”وهو المعروف بتاريخه النضالي وسنوات سجنه علاوة على أنه اكتسح انتخابات القدس نائبا عنها في الخمسينيات.
زيّادين مهر اسمه سابقا على ثلاثة كتب سابقة ناقشت تاريخ الحركة الوطنية الأردنية والشيوعيين الأردنيين وهي: “ليست النهايات.. الشيوعيون في الأردن”و”البدايات.. أربعون عاما من مسيرة الحركة الوطنية الأردنية”، و”يعقوب زيادين.. شاهد على العصر”الذي يتضمن الحوار الذي أجراه مع أحمد منصور في برنامجه بقناة الجزيرة “شاهد على العصر”.
اللافت أن كتابه الجديد “لو عادت بي الأيام” يمثل أرشيفاً كاملاً لمواقفه السياسية والفكرية والوجدانية حيال عدد من القضايا والأحداث العالمية والعربية والأردنية، إضافة إلى جملة الشهادات التي كُتبت عنه، لكن عنوان الكتاب يشي بنوع من “الثبات” أو “الوفاء” لجملة تلك المواقف، وإن حمل تقديم زيادين لكتابه دعوة للشباب إلى “إنجاز ما عجز جيله عن إنجازه، برؤى مختلفة وأساليب مبتكرة ومقاربات جديدة تلائم عصرهم المختلف”.
الجيل القادم
زيادين يُخرج أرشيفه في “قطاف نهائي” أشبه بوداعية لمناصريه وخصومه وللتاريخ أيضاً، وكأنه يريد الخروج من “حالة الجدال والنقاش” إلى “وقفة مع الذات” عبر إصدار كتابه دون الالتفات إلى الوراء إلا بقصد “العبرة” التي تخص غيره أكثر من نفسه. ومما يثبّته في إهداء الكتاب “إلى حفيدتي الصحفية الواعدة هبة، ممثلة الجيل القادم الذي أحلم أن يتسلم الراية ويسلمها مرفوعة ونظيفة في آن”.
الرفعة والنظافة” ربما هي ما دفعت الناقد الدكتور فيصل درّاج في افتتاح تقديمه للكتاب إلى التركيز على”بساطة زيادين الأليفة”وأن”زيادين لم يكن بحاجة إلى قراءة الأفكار الاشتراكية ليصل إلى خياره السياسي الفكري”مؤكداً أن “وعي زيادين العفوي والشعبي هو الذي اختار الماركسية منهجاً” دون أن يحمل هذا القول ما “يسيء إليه”.
ويضيف درّاج أن لاغرابة في أن يصبح يعقوب زيادين حزبياً شيوعياً، وأن يصبح قائداً، مكتفياً بقراءة كتابين ماركسيين مترجمين “أسس اللينينية” لستالين و”البيان الشيوعي” للمفكر الاشتراكي كارل ماركس، مشيراً إلى نقطة أساسية لدى زيادين تكمن في توحيده بين تجربته وتعاليم السيد المسيح وبين ما قال به المسيخ و”شذرات”الفكر الماركسي التي التقى بها في كتابين صغيرين مترجمين.
“أيهما أنبل: الحق أم الانتصار؟”.. هذا هو السؤال الكبيرالذي يذيل به درّاج مقدمته ليكون مدخلاً لما “تطرحه حياة المناضل الأردني يعقوب زيادين”.

في تقديم ثانٍ للكتابذهبت الصحفية حنان عساف إلى الحديث عن “نبوءات” الشيوعي التسعيني مذكّرة بجملة مقالات كتبها، ومن أبرزها مقاله “نهاية التاريخ أم نهاية الرأسمالية؟” عام 1994 الذي أكد أن “التناقضات ستبقى تغلي فيها إلى أن تتبخر بأشكال عنيفة وتفضي شيئاً فشيئاً إلى تآكلها وانحطاطها!”، وهو ما تؤكده الأزمة المالية العالمية، على حد وصف عسّاف.
شهادات فكرية
ضم الكتاب ثلاثة أبواب صنفت على النحو الآتي: ما كُتب بقلم يعقوب زيادين واحتوى فصولاً حمل عناوين: نهاية التاريخ أم نهاية الرأسمالية؟، العراق جرح الخاصرة، معركة حياة أو موت، الوجع الأردني، التمويل الأجنبيوتضمن الباب الثاني الحوارات التي أجريت مع مؤلف الكتاب، في حين حمل الباب الثالث وعنوانه “كتب عن يعقوب زيادين” شهادات ومقالات سجلها عدد من الأدباء والباحثين والسياسيين الأردنيين وهم: غالب هلسا، ومؤنس الرزاز، وليث شبيلات، وموفق محادين، ومحمود الريماوي، ومحمود الكايد، وإبراهيم غرايبة، وأحمد جرادات، وحبيب الزيودي،و سميح المعايطة، ويوسف غيشان.
تعددت اتجاهات أصحاب تلك الشهادات الفكرية، فبعضهم شيوعي أو يساري أو قومي، وآخرون ينتمون إلى التيار الإسلامي أو تجاوزه إلى موقع الليبرالية، بينما شهد له من هم “قريبون” من النظام الأردني الذي عارضه زيادين أو ناقض سياساته طوال حياته.
شهادة إضافية كتبها رئيس رابطة الكتاب الأردنيين القاص سعود قبيلات على الغلاف الأخير للكتاب، أكد فيها أن “زيادين كان -دائماً- أكثر الشيوعيين العرب تفعيلاً لمبدأ النقد الذاتي وتفاعلاً معه. فلطالما وجّه مثل هذا النقد تجاه تجربته وتجربة حزبه وتجربة الحركة الشيوعية العربية والعالمية”، مستدركاً “ومع ذلك فإن موقفه من المبادئ والقيم الثورية لم يختلّ ولم يتزحزح، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانهار إثره الكثيرون”.
اليسار والإسلاميون
في وداعه، ينحاز زيادين في إحدى الحوارات الحديثة التي أجريت معه إلى “ضرورة أن يلتقي اليسار العربي بالتيار الإسلامي” مؤمناً بأن “المشترك أكبرويستدعي توحيد الجهود للدفاع عن الناس وانتزاع الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية”وفي مراجعاته التاريخية يرى زيادين أن غزو العراق للكويت عام 1990 ليس له أي مبرر، وكان المستفيد الأول منه الولايات المتحدة، وهو موقف تصلب به منذ بدايات الغزو متفرداً عن الموقف الرسمي لحزبه آنذاك.
وفي منحنى أردني داخلي، يعتقد زيّادين أن “الديمقراطية في بلاده إلى تراجع” مضيفاً “منذ ستين عاما أراقب وأشارك في الأحداث والأوضاع في الأردنولأول مرة أشعر أن الأمور خرجت عن السيطرة.. في السابق كانت تحدث الأزمات ويتم تجاوزها، أما الآن فلا أرى أي أفق كون الأوضاع في منتهى الخطورة والجدية”.
وعدّ زيادين في حوار آخر أن”التنمية السياسية في الأردن هي عملية إلهاء”وأن “هناك فجوة كبيرة بين الحاكم والمحكوم تزداد باستمرارحيث لا يقدر أحد على هذا الواقع”.
“لو عادت بي الأيام”صدر في 371 صفحة من القطع المتوسط، ليكون آخر ما في “جعبة” يعقوب زيادين الذي لم يزاول مهنة الكتابة يوماً، وإن شهد له الروائي الراحل غالب هلسا بعد إصدار كتابه الأول “البدايات” بأنه أحس بذلك “الجلال التراجيدي الذي يميز الأعمال الجيدة”.

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock