مدونة الأردن

الشيخ مثقال الفايز راعي البلها..عقيد الصخور

مثقال بن سطام بن فندي بن عباس بن عواد بن ذياب الموح الفايــز هو شيخ مشايخ بني صخر
وهو عقيد الصخور الذي شارك مع فرسان قبيلته في معارك الثورة العربية الكبرى، قبل ان يغدر الاستعمار الفرنسي بملك سوريه فيصل الاول فيبادر الوطنيون الاردنيون للالتفاف حول راية عبد الله بن الحسين لتأسيس إمارة شرق الأردن، كنقطة ارتكاز للانطلاق لتحرير سورية وهنا كان الدور المؤثر للشيخ الفايز الذي آزر الدولة الناشئة معتمدا على رجولة وشهامة ابناء قبيلته التي تمتد مضاربها من أطراف البلقاء حتى عمق البادية شرقاً، إضافة إلى امتدادها شمالاً وجنوباً.
ولد الشيخ مثقال أوخر القرن التاسع عشرفي مرحلة كان التنافس فيها على اشده بين القبائل الأردنية المتنافسة على الكلأ والماء مما أدخل الجميع في صدامات على هذه الموارد في تلك الفترة كان ( شق )الشيخ سطام المدرسة التي بدا فيها مثقال تعلم اول دروس الحياة وأساليب الرجال في التعاطي مع المشاكل والصعاب، والاستماع للشعر وقصص البطولة التي تميز البادية. وتعهده والده بالتدريب على ركوب الخيل والمبارزة بالسيف، واستخدام البندقية، وشب مثقال على الشجاعة والإقدام، وقوي ساعده رغم صغر سنه، بحمل السلاح، حتى صارت شجاعته مضرب المثل،وصار خبيراً في الشؤون العشائرية،حيث أتاحت له بيئة والده الشيخ وهو بيت زعامة، من التفقه في حل المشاكل،والحكم بالخلافات التي تنشأ بين أبناء عشيرته والعشائر الأخرى،فلقد توسعت شهرته في مجال القضاء العشائري، حتى أصبح لا يشق له غبار في هذا الجال.
توفي ابن شقيقه مشهور،فتولى مشيخة( سور البلقا )من بعده وسرعان ما برز كواحد من الزعماء ليلعب دوراً سياسياً وطنياً،ويؤكد حضوره الملموس في الأحداث التي تلت ثورة الحسين بن علي ضد الدولة العثمانية، التي لم تكن تتجاهل تأثير وقوة زعامة راعي البلها، فمنحته لقب (باشا) استرضاء،واعترافاً بمكانته لكن اللقب لم يمنعه من دعم الأمير عبدالله بن الحسين وكان لهذا الدعم أثره في توفير أجواء الاستقرار والأمن، اللذين مكنا الحكومة المركزية من تكريس نفسها وتمتين وجودها، فتمكنت من تطوير دولة عصرية واجهت منذ لحظة التاسيس مصاعب تفوق الخيال فقد هاجمها الوهابيون ليواجهوا بتصدي الشيخ مثقال والصخور لهجمتهم وكان راعي البلها شيخ العشيرة السياسي الأبرز الذي لعب دورا كبيرا في المساهمة باستقرار الإمارة والدفاع البطولي عن سيادتها أمام غزوات ‘الخوين’ التي كانت تمثل التحدي أولنقل الخطر الاستراتيجي الأكثر عدائية لها بعد الخطر الصهيوني والتي لوقيض لها النجاح لتغير مستقبل المنطقة التي كانت مهددة بالغزو اليهودي المدعوم من بريطانيا وقد بادر الشيخ مثقال بفطرته القومية إلى جمع السلاح والمال، وتجنيد المتطوعين، لدعم ثوار فلسطين، وتمكن من رفدهم بالمال والرجال والسلاح، ماأثار قلق البريطانيين، خاصة بعد دعوته إلى مؤتمر وطني لدعم الفلسطينيين في نضالهم، يعقد في أم العمد باشتراك عدد كبير من زعماء العشائر، بهدف وضع إستراتيجية واضحة المعالم للمساهمة في الثورة الفلسطينية، وتوفير سبل الدعم المستمر لها.
لم تتوقف صفات الشيخ مثقال عند زعامة عشيرته فقد كان ناشطاً سياسياً ورمزاً وطنياً بارزاً, وكان قاضياً عشائرياً, كريماً طيب النفس عملعلى توثيق صلاته بزعماء ووجهاء العشائر والقرى والبلدات الأردنية، وجمع وجهات النظر، ورص صفوف الوطنيين،حماية للوطن ومن أجل العمل معاً لبنائه ورفعته، حيث عرف بمواقفه الوطنية، وقد عارض معاهدة عام 1928م مع بريطانيا،ووقف مع الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي، وطالب بدعهما. ساهم في الحياة البرلمانية نائبا لعدة دورات
شيخ الشيخان واحد من القاب الشيخ مثقال الذي تزوج من سيدتين واحدة في قصره في أم العمد،وأخرى ترافقه في المضارب، تمتع بنظرة متسامحة وأفق اتسع كثيرا حتى بنى علاقات مع زعامات عربية كبيرة في زمنه مثل آل أرسلان في لبنان وغيرهم، وصلت شهرته الى مصر حيث ارسل الشاعرعبد المحسن الكاظمي منها قصيدة للامير ( آنذاك عبد الله بن الحسين ) يمدح بها بني صخر والشيخ مثقال ومنها:
وليحيا اقوام مثقال فقد وزنوا من الرجال بمثقال قناطيرا
ويتناقل الرواة القصص عن الشيخ ومنها أنه ذهب للحج في احدى السنيين وصدف وقتها ان غزا الوهابيون بقيادة ابن نهير بني صخر وهزموا ووصلت الاخبار الى نجد, وكعادته قام الشيخ مثقال بزيارة الملك عبدالعزيزآل سعود للسلام وكان الملك في مجلسه وحوله اعيان وشيوخ البلد فقال: يابن فايز علام الربع اللي عندكم رجعوا وما طولو )فرد الشيخ قائلايا طويل العمر البلاد ما عجبتهم )فقال الملكسمعتوا يالربع رد ابن فايز ما قال ذبحناهم شوفوا رد ابن فايز )وتوجه بالخطاب لضيفه ( يا بن فايز لا والله ماهي الديار ماعجبتهم إلا اهلها عيوبها ) أي أن أهلها ردوهم.
يروى أنه دعا يوماً لوليمة قدر عدد من يحضرها بمائتي شخص, لكن أحد المدعوين أراد إحراجه فدعا زيادة على ذلك مائتي شخص لم يحسب شيخنا حسابهموكان الطعام كافياً للمدعوين ولمائتي شخص من أفراد العشيرة فهم الشيخ المغزى فمر بأفراد عشيرته وهو يردد:الصخور صقوروفهم هؤلاء رسالة زعيمهم وحين جلسوا للطعام تناول كل منهم لقمتين أو ثلاثاً وقام عن الطعام الذي ظل وفيراً وشاهداً على الكرم والذكاء في آن معاً .
وصفه يوآف ألون، الذي يحمل درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد، ويعتبر من أهم المختصين والباحثين في العلاقة بين القبيلة والدولة في الحالة الأردنية. بأنه السياسي الأبرز في شرق الأردن في الفترة المشار إليها ولا يستطيع أحد التنكر لمقدرته وحنكتة في أدواره المتعددة كشيخ عشائر بني صخر وسياسي أردني بارزولبراعته السياسية في الموازنة بين الولاء للعرش والاستقلالية الوطنيةالمدافعة عن الطموحات الشعبية وهو الذي أبدع في اللعب على التوازنات الداخلية والإقليمية وساهم في بناء وتطور الكيان الأردني .
يعود الصخور في نسبهم إلى قبيلة طي وذكر عدد من المراجع أنهم من بني جرم بن طي، وأنهم كانوا يسكنون مع بقية القبيلة بين الجبلين، ثم انتقلوا مع فروع أخرى من القبيلة باتجاه الغرب. واستقر بنو جوين بن جرم في منطقة متالع الأبيض، أما بنو صخر بن جرم فقد استقروا فترة طويلة في منطقة متالع الأسود (جبل يبعد حوالي 100 كم غرب مدينة حائل) ثم انتقلوا غرباً إلى شمال تيماء، واستقروا فترة من الزمن في منطقة العلا وهجرة عشائربنوصخر عادية تسمى عند البدو (نجعة) وذلك بسبب القحط والجفاف الذي اصاب الحجاز في احد السنيينوحيث انهم ارتادوا ارض الهلال الخصيب واحضروا عدة انواع من الحبوب لشيخهم / حنيف الخريشا(شيخ بني صخر في عصره) فامرهم بالرحيل والتوجه اللى تلك الديار وواستوطنوها وسيطروا عليها بعد معارك ضارية مع القبائل الشاميه مثل السردية والعدوان وعباد وغيرهم وهاجر بعضهم إلى منطقة القصيم وبقي عدد قليل منهم في مدينة العلا وتيماء. ولازالت عدد من الآبار والبساتين في منطقة العلا تحمل أسماء بعض عشائر بني صخر.
قال عنهم الشيخ محمد البسام التميمي النجدي المتوفى عام 1246هـــ في كتابه ( الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر)بنــو صـخـر’ ذوو الفــخــر والمــجـــد والــقــدرة والــقهــر.
القول فيهم انهم سابيب السماح وانابيب الرماحجهابذة النطقوالرعاة الى طريق الحق والمكرمون نزيلهم والمسبلين جميلهم وذوو محافظة على الحاج الأكبرودافعه الخطب بكل يمان وأسمر.
انتقل الشيخ مثقال الى رحمة ربه في نهاية العقد السادس من القرن الماضي وشكلت وفاته خسارة كبيرة، نظراً للدور الكبير الذي اضطلع به، وللمكانة التي حققها طوال سني عمره، وقد دفن في بلدة أم العمد، المكان الذي أحبه، وأمضى فيه معظم حياته، وبالرغم مرور عقود على رحيله مازال ذكره بين الناس حياً، وستبقى ذكراه ما بقي الخير بين الناس عامراً، فالرموز الوطنية كالأشجار تثبت واقفة ما دامت أرض الوطن تحتضن أجسادهم الطيبة.

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock