تحقيقات صحفية ومقابلات

د.أبوهديب لـ” الحياة” لا يوجد إرادة سياسيّة للقضاء على الفساد والمواطن على يقين أن هناك شخصيات سياسية هامة وراء قضية الدخّان

إذا كان رئيس الوزراء يملك الولاية العامة فلا بدّ له التوضيح للجمهور بتفاصيل كلّ ما جرى

*مجلس النواب جريح ويعتقد أن دوره قد تم تجاوزه نتيجة موافقته العمياء على كثير من قرارات الحكومة
* إنتشار الرشوة في كثير من مؤسسات الخدمات من قبل موظفين صغار لم يعدها الأردن من قبل
* قرارات تم إتخاذها كانت بمثابة كارثة أدت الى خسائر مئات الملايين من الدنانير
*الإصلاحات الإقتصادية التي تمت من خصخصة وتشريعات شابها فسادٌ كبير
الحياة – حاوره محمد بدوي
سياسي لامع يمتلك قدرة كبيرة على التحليل بدقّة متناهية ، قادر على وصف الأمور كما هي دون زيادة أو نُقصان وصاحب خبرة سياسية يُعتدّ بها . يمتلك الخيرة السياسية الكافية لمعرفة ما هو القادم .. إنه النائب والوزير الأسبق معالي د.محمد أبو هديب والذي كات لـ”الحياة” لقاء خاصا وحصريا معه حول أهم القضايا التي تعنى بالشأن المحلي وتأثيرات الإقليم على المنطقة والأردن وتاليا نص اللقاء :-
* خرجت الأغلبية العظمى من المواطنين الأردنيين .. من فعاليات شعبية ونقابية للإحتجاج على إجراءات وقرارات حكومة هاني الملقي السابقة وطالبته بالرحيل .. لتأتي حكومة د.عمر الرزاز فكيف تنظرون الى شخص رئيس الوزراء والى الحكومة الجديدة؟
– قبل الحديث عن شخص رئيس الوزراء الجديد د.عمر الرزاز . أنوه بأن الشارع الأردني الذي نزل الى الشارع في رمضان الماضي كان نتيجة إجراءات وإحباطات متراكمة وسياسات الحكومات المتعاقبة وليس فقط جراء قرارات حكومة هاني الملقي السابقة هذه القرارات من الحكومة المتعاقبة أدت بأن يكون الشارع الأردني مهيء للقيام بما قام به من تظاهر واحتجاج ورفض للظلم الذي يعتقد الجمهور أنه قد وقع عليه.
وعودة إلى شخص رئيس الوزراء د.عمر الرزاز فهو شخصية نظيفة وصاحب تاريخ مُشرف ولا يوجد عليه أية علامات استفهام حيث استلم 3 مواقع مهمة منها مؤسسة الضمان الإجتماعي وبحدود علمي لم يكن له أية قرارات أضرّت بالمؤسسة أو بأموالها ، ثم كان أيضا في تقييم التخاصيّة وأيضا كان وزيرا للتربية والتعليم حيث كان هناك رضا كبير على أداءه وعمله باستثناء “المؤدلجين” الذين اعتقدوا بأن هناك تغيير للمناهج التربوية التي تأسست في البلاد . رئيس الوزراء د.عمر الرزاز وإدارة المرحلة بكل صعوباتها وتجلياتها وصعوباتها على الأرض لم يُقدّم غير خطاب نوايا حسنة وطموحات كبيرة بالكلام فقط أما على الأرض فلم يكن هناك إنجازات حقيقية يُعتدّ بها . إن رئيس الوزراء د. عمر الرزاز جاء بعد عملية الإحتجاج الشعبي على قانون الضريبة أبّان حكومة هاني الملقي وما زالت الحكومة الجديدة مُتعثّرة بحيث لم تستطع إنجاز قانون يُلبي طموح الجمهور الأردني باستثناء بعض التسريبات عن القانون التي نسمعها بين الحين والآخر . القضية الثانية والتي تفجرّت في وجه رئيس الوزراء د.عمر الرزاز هي قضية الفساد التي تحدث عنها الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي والتي عرفناها جميعا وهي قضية الدخان المشهورة . فالجميع يتساءل كيف هرب المُجرم قبل يوم واحد من كشف حقائق القضية وملابساتها فكان على الدولة أن تقوم باحتياطاتها كاملة واتخاذ قرار كبير بحجم هذه القضية بمعنى أن يكون هناك تحوّط واحتراز على الأشخاص المتهمين فكيف استطاع المجرم الهروب دون أن يعرف أحد من الدولة بهروبه . وأقول إذا كان رئيس الوزراء يملك الولاية العامة كان لا بدّ له التوضيح للجمهور بتفاصيل كلّ ما جرى . والقضية الثانية هنا بأن من تمّ التحفظ عليهم هم عبارة عن موظفين ليسوا الأساس في هذه القضية وأقول هنا وأنا لا أتدخلّ بالقضاء الذي نثق فيه ونعتزّ به أيما اعتزاز لكني هنا أنقل ما يقوله المواطن والجمهور فهو على يقين بأن هناك شخصيات سياسية هي وراء هذا الفساد الكبير.
*تحدثتم عن إحباطات في الشارع الأردني نتيجة إجراءات وإحباطات متراكمة وسياسات الحكومات المتعاقبة .. فيا ترى هل ما زالت تلك الإحباطات ماثلة في الشارع الأردني أم أنها ذهبت؟
– الإحباطات ما زالت ، فالمواطن يتحدث دائما عن عملية الإصلاحات السياسية والإقتصادية الذي تحدث عنها جلالة الملك منذ أن تسلّم سلطاته الدستورية في المملكة الجديدة وطالب الحكومات العمل عليها وتحقيقها على أرض الواقع حيث أمر الملك بأن يكون هناك إصلاحات شاملة على رأسها الإصلاح السياسي والإصلاح الإقتصادي وأنوه هنا الى حديث رئيس الوزراء د.عمر الرزاز في الجامعة الأردنية مؤخرا حينما قال بأنه لا يمكن أن يكون هناك إصلاح إقتصادي دون أن يكون هناك إصلاح سياسي والسؤال هنا هل قمنا بإيجاد حياة سياسية محترمة أساسها مجلس نيابي مُنتخب بقانون مُحترم وانتخابات نزيهة وإجراءات سليمة حتى نستطيع الوصول الى عملية الإصلاح السياسي .. أما الجواب لم ننجح حتى الآن لذلك نرى بأن كل الإصلاحات الإقتصادية التي تمت من خصخصة وتشريعات شابها فساد كبير والنتيجة لم يتم تأدية الغرض في التطوير والإصلاح الإقتصادي ولم يؤدي الى تحديث الدولة وإيجاد حياة كريمة للمواطنين بسبب غياب المجلس النيابي القادر على المراقبة والتشريع لمثل هذه القضايا الكبرى . لذلك حينما خرج الناس الى الشارع كان من أسباب ما جرى هو قانون الضريبة ناهيك عن التراكمات والإحباطات المتتالية وجميعنا سمعنا سقف المطالب على الدوار الرابع . ولا ننسى أن الشريحة التي خرجت الى الشارع لم تخرج أصلا منذ بدايات الربيع العربي . فالتراكمات إذا موجودة ولم نلمس من الحكومة الجديدة أي مشروع سياسي وإقتصادي للبدء لإعادة الثقة ما بين الحكومة والمواطن . فقضايا الفساد موجودة والأدوات لم تتغيّر بمعنى أن أدوات هذه الحكومة هي ذاتها في الحكومة السابقة باستثناء البعض الذي لم يحدث أي تغيير على سياسة الحكومة الجديدة.
* فعاليات سياسية وشعبية تحدّثت وما زالت تتحدث عن قضايا فساد ومُفسدين وإفساد .. وتتساءل في نفس الوقت أين هم الفاسدون الذين تم إلقاء القبض عليهم والزجّ بهم في السجون؟
– هذا جزء أصيل من الأزمة الكبيرة في الأردن فالجميع يتحدّث عن قضايا فساد ومن حقّهم أن يتسائلون أين هم الفاسدون وهي لبّ المشكلة وهي أزمة عميقة موجودة في الدولة وأعتقد أنه لا يوجد إرادة سياسية بمحاربة والقضاء على الفساد . نعم ربّما تم وضع شخصية أو شخصيتين في السجن على قضايا فساد والحكم عليهم . لكن هناك أيضا قضايا فساد يتسائل عنها المواطن مثل الفوسفات حيث ما زلنا نتحدّث عن ملاحقة المطلوب . وهاك قضايا اخرى منها أمنية التي لم تفتح هذه القضية بطريقة صحيحة ولم يتم اتخاذ اجراءات حقيقية على أرض الواقع لمتابعة هذه القضية مثلا . إضافة الى إنتشار الرشوة في كثير من مؤسسات الخدمات في الدولة من قبل موظفين صغار لم يعدها الأردن من قبل فلو تم ملاحقة الفساد الكبير لما سمعنا أبدا عن فساد صغير . ثم أن الفساد ليس بالضرورة أن يكون فسادا ماليا فهناك قرارات تم اتخاذها كانت بمثابة كارثة وقرارات خاطئة كبرى أدت الى خسائر مئات الملايين من الدنانير وهروب المستثمرين والمشاريع التي لم تُدرس دراسة علمية وواقعية ومهنية الكل يعرفها.

* هناك فقر وبطالة وتدهور للأحوال المعيشية للمواطن .. هناك مديونية كبيرة إلى متى؟
– سيبقى الحال على ما هو عليه إلا إذا تغيّر النهج والأدوات وتكون هناك إرادة سياسية حقيقية بالنهوض بالإصلاح السياسي والإقتصادي شريطة أدوات مختلفة . فلا يُمكن أن يكون المستفيد من الأوضاع البائسة التي يمر بها الوطن يسعى الى تعريض مكتسباته للخطر فبالتالي يحاول أن تستمر الإخفاقات والتردي بالأوضاع ولن يقبل بالإصلاحات لذلك لا بد من أدوات جديدة للنهوض بالإصلاحات . ولا يمكن محاربة الفقر والبطالة دون نهضة حقيقية بالخطط والإستراتيجيات وتغيير الأدوات التي لم تتغيّر منذ 20 عاما فهل من المعقول والمنطقي أن نسعى للتطوير والنهوض بالدولة وواقعها الإقتصادي والسياسي بنفس الأدوات. والقضية الثانية هنا أننا نفتقد الى استراتيجيات جديدة للشباب ونفتقد الى اطلاق هذه الإبداعات. فلماذا نمنع الشباب المُبدع من الحديث وتقديم الرأي الخاص بهم وتقديم الحقيقة في الندوات والمؤتمرات ليتم إجبارهم على الحديث عن أمور بعينها فقط . حتى اللقاءات التي تجري مع جلالة الملك لا تكون إلا لفئة من الشباب بعينها فقط ولا أدري على أي أساس تتم مثل هذه الإختيارات ومن هي الجهة التي تختارهم وكيف ولماذا.. أما القضية الثانية فهي السياسة الخارجية للحكومات التي لم تُستثمر بطريقة صحيحة ولا مدروسة سواء بعد عملية السلام ولا مكافحة الارهاب مع دول في المنطقة ولا قضية الوقوف مع الاشقاء العرب ولا مع الحلفاء حيث كان من المفروض أن يتم استثمار مثل هذه العلاقات والظروف لتنعكس ايجابا على الأوضاع الإقتصادية في الدولة . وأتطرق هنا الى مثال آخر وهو اللجوء السوري فحينما فتحنا الحدود أمام اللجوء السوري سمع الأردن وعودات بمساعدة المجتمع الدولي لكن الأردن لم يتلقى الا 28% فقط من هذه المساعدات فدفعت الدولة الأردنية 72% من خزينتها وأموالها على هذا اللجوء وهي دولة في الأصل مرهقة إقتصاديا . وهذا لا يمكن إلا أن نُسمّيه فسلا للسياسة الأردنية . حتى أن المساعدات العربية لم نستطع الحفاظ عليها وحلفاءنا الأمريكان يضربوننا في قرارات مختلفة آخرها وقف المساعدات عن “الاونروا” ومحاولات تتم بين الحين والآخر للإضرار بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين . وأعيد القول والتأكيد هنا على ضرورة تغيير الأدوات الفاشلة التي أوصلتنا لهذه المرحلة.
* إلى أي درجة كان للصراع في الإقليم والأزمات في سوريا والعراق واليمن تأثيراتها على الأوضاع في الدولة الأردنية؟
– بكل تأكيد كان لها تأثير كبير . فمنذ بداية لاربيع العربي في المنطقة العربية التي كان هدفها نبيل في البدايات إلا أنه تم النيل منها وتم حرفها عن المسار الحقيقي لها تعرضت المنطقة العربية الى التفتيت والقضاء على عناصر القوة بها وبالتالي تم إبعاد دول عربية عن المسار السياسي في المنطقة مثب سوريا والعراق ومصر واليمن .. وتم إشغال المنطقة العربية في ظروفها وقضاياها والإقتتال الداخلي بها . ولا ننسى سياسات خاطئة اتبعتها دول في الإقليم من خلال تدخلاتها بالشأن السوري واليمني ما زاد من تعقيد الأوضاع في تلك الدول وبالتالي انعكس سلبا على أحوال المنطقة العربية ، وأمام كل هذه الأزمات بدأت الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” باستغلال كل هذه الظروف والأزمات في البدء بتصفية القضية الفلسطينية منها ما يُسمى بصفقة القرن أو الصفقة الكبرى حيث أن أمريكا بدأت فعلا بتنفيذ هذه الصفقة الكبرى من خلال نقل السفارة الأمريكية ودعم قانون يهودية الدولة وإلغاء الأونروا وإغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن إضافة بأن أمريكا تمكّنت من حشر حلفاء عرب وفي الإقليم لإتمام هذه الصفقة مهما حاولوا النفي من موافقاتهم على هذه الصفقة الكبرى .. وبالتالي أمام كل هذه الأوضاع فالاردن تأثر بشكل واضح وكبير جدا
*ما هو المطلوب الآن من مجلس النواب الثامن عشر خاصة أمام كل الأوضاع والتحديّات التي يمر بها الوطن؟
– المجلس وضعه صعب جدا وهو جريح وهو يعتقد أن دوره قد تم تجاوزه نتيجة موافقته العمياء على كثير من قرارات الحكومة دون أن يكون له دور حقيقي ما أدى إلى بزوغ مؤسسات مجتمع مدني مثل النقابات المهنية التي ساهمت بإقالة الحكومة السابقة ومجيء حكومة أخرى . المطلوب الآن أن يعيد مجلس النواب هيبة المؤسسة التشريعية وعليه أن يطلُب من الحكومة بإعداد قوانين إصلاح سياسي ليضع له بصمة إنجاز كقانون إنتخابي جديد محترم وعليه أن يُمارس دوره الرقابي والتشريعي كما يجب جتى يستعيد جزء بسيط من هيبة المؤسسة التي أتاح له الدستور.
* أمام التطورات في الإقليم وأمام الأحوال الإقتصادية التي يمرّ بها الوطن من فقر وبطالة .. ومديونية كبيرة .. إلى أين يسير الأردن؟
– الأردن أمام تيارات صعبة جدا ونحن بحاجة إلى تغيير الأدوات والنهج والى تعزيز الجبهة الداخلية بمعنى أن يكون الأردنيين شركاء في مواجهة التحدّيات من خلال مشاركتهم الحقيقية بالحياة السياسية أو إبلاغهم بكل شفافية عن حجم المخاطر التي تتعرض لها البلاد والبدء في الإصلاح السياسي الحقيقي لأنه ببساطة لا يُمكن حماية الأردن دون مشاركة كل أبنائه بإتخاذ القرارات المصيرية التي تمسّ حياتهم السياسية والإقتصادية .. حتى نستطيع إعادة جزء بسيط من ثقة الناس بالدولة.

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock