آراء وكتاب

القضاء الشرعي في فلسطين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم

هذا هو الإسلام القضاء الشرعي في فلسطين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس الحلقة الخامسة : 5/6/1967م تاريخ مؤلم لكل عربي ومسلم حر ؛ تجددت فيه نكبة للشعب الفلسطيني بعد عشرين عاماً من نكبته الأولى ، فخضع الجزء المتبقي من أرضه لسيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي ، فوجد أهل الضفة الغربية وقطاع غزة أنفسهم تحت الاحتلال هم الآخرون كإخوانهم أهل الأرض المحتلة عام 1948 ، وما هو إلا زمان يسير حتى منح الحكم العسكري الغاشم نفسه صلاحيات إصدار الأوامر العسكرية على أنها قوانين وتشريعات واجبة النفاذ في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ولتكون بديلاً للقوانين التي كانت سارية قبل الاحتلال ؛ مما شكَّل مخالفة صريحة لمبادىء القانون الدولي الذي يقرر استمرار المؤسسات والمحاكم الوطنية على ما كانت عليه قبل وقوع البلاد تحت الاحتلال ، ولكن منذ متى تحتكم إسرائيل إلى قانون دولي أو تحترم أية اتفاقية أقرها المجتمع الدولي ! فانطبق عليها قول الله تعالى { أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } البقرة 100 ، وعلى الرغم من ذلك لا يحاسبها هذا المجتمع الدولي ولا يعاقبها بل يعترف بها ويقيم علاقات واسعة وشاملة معها . في قطاع غزة تولى ضابط ركن الأديان الاحتلالي الإشراف على الشؤون والسلطات الدينية للمسلمين والتي تضم جهاز القضاء الشرعي وإدارة الأوقاف الإسلامية والمعهد الديني “الأزهر” ، ومع أن الحكم العسكري أبقى بعض النظم والقوانين والتشريعات التي كانت نافذة أثناء الحكم المصري ؛ إلا أنه احتفظ لنفسه بتعيين القضاة الشرعيين وبالتفتيش على إدارة صندوق الأيتام محاسبياً بالتنسيق مع الموظفين المختصين في المحاكم الشرعية . وفي الضفة الغربية حاول الحكم العسكري التدخل في عمل القضاء الشرعي لكن وقوف القضاة صفاً واحداً حال دون ذلك ؛ حيث تداعى أهل الحل والعقد في الضفة الغربية فور الوقوع في قبضة الاحتلال لبحث أوضاع المسجد الأقصى المبارك وغيره من مصالح وقضايا المسلمين تحت الاحتلال ، وذلك إنزالاً للحكم الشرعي الذي يقضي أنه في حالة احتلال أي بلد من بلاد المسلمين وجب على أهل الحل والعقد فيها تشكيل هيئة منهم لإدارة جميع شؤونهم ، وبالفعل ؛ تشكلت الهيئة الإسلامية العليا بعضوية قضاة المحاكم الشرعية والمفتين والنواب والوزراء السابقين والشخصيات الاعتبارية في القدس والضفة الغربية لإدارة شؤون المسجد الأقصى المبارك وجميع المقدسات والأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية في الضفة الغربية ، وقد تم اختيار المرحوم سماحة الشيخ عبد الحميد السائح رئيس محكمة الاستئناف الشرعية في القدس ليكون أول رئيس للهيئة الإسلامية العليا ؛ كما أسند إليه منصب القائم بأعمال قاضي القضاة ومنصب رئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية . اتخذت الهيئة الإسلامية العليا في حينه قراراً بأن تتبع المحاكم الشرعية قاضي القضاة في الأردن وتنفذ جميع القوانين والأنظمة والتعليمات المعمول بها هناك . حاولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضم المحاكم الشرعية والأوقاف الإسلامية لإدارتها إلا أن الهيئة الإسلامية رفضت ذلك بكل قوة لارتباط هذين الجهازين بعقيدة المسلمين . وتعرضت المحاكم الشرعية في فترة الاحتلال لمزيد من الممارسات القمعية والإجراءات التعسفية ؛ فقد أصدر ضابط الشؤون العدلية أمراً يحظر فيه على دوائر الإجراء تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية ، وهنا يسجل التاريخ لرؤساء دوائر الإجراء موقفهم الوطني المشرف بالتصدي لهذا القرار ورفض تطبيقه فأعلنوا استمرارهم في التعاون مع المحاكم الشرعية وتنفيذ قراراتها حسب الأصول . وأقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي أيضاً على إبعاد رئيس الهيئة الإسلامية العليا القائم بأعمال قاضي القضاة ، فتولى مسؤولياته من بعده المرحوم سماحة الشيخ حلمي المحتسب الذي سار على نهج سلفه في إدارة المحاكم الشرعية والحفاظ على استقلاليتها واستقلالية الأوقاف الإسلامية ورفض تدخل سلطات الاحتلال في شؤونها ، وبعد وفاته تولّى رئاستها المرحوم سماحة الشيخ سعد الدين العلمي . وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي أيضاً بإبعاد قاضي الخليل الشرعي عضو الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الأوقاف ومحكمة الاستئناف الشرعية المرحوم سماحة الشيخ رجب بيوض التميمي إثر عملية الدبّوية العسكرية التي نفذت في الخليل عام 1980 بسبب مقاومته الاحتلال وبسبب مواقفه الوطنية الصلبة ، وأبعدت معه أيضاً فهد القواسمة رئيس بلدية الخليل ومحمد ملحم رئيس بلدية حلحول . واقتداء بالسلف الصالح من قضاة هذه الأمة فقد كان كل قاض من القضاة الشرعيين يمثل أعلى مرجعية لأهل منطقته في كل أمر ، فقد كان للقضاة الشرعيين دور فعال في تحسس مشاكل المواطنين وحلها لما يتمتعون به من قدرات ومكانة اجتماعية بين أبناء وطنهم ؛ حيث كانت قراراتهم غالباً ما تنفذ دون وجود سلطة تنفيذية ؛ وكذلك كان لهم دورهم في رعاية مصالح المواطنين وتصديق معاملاتهم ووثائقهم ؛ وبالأخص ما كان متعلقاً بالدول الأخرى حيث اعتمد تصديق المحاكم الشرعية في الدول العربية على عكس الدوائر التي تبعت الحكم العسكري . ويسجل التاريخ للقضاة الشرعيين أيضاً دورهم الريادي والقيادي والطلائعي في مشاركة أبناء شعبهم محنة الاحتلال وواجب المقاومة حيث كانوا صفاً واحداً في التصدي لمخططاته فتعرضوا للاعتقال والإبعاد عن أرض الرباط ، ويسجل لهم أيضاً دورهم في التصدي لمخططات الاحتلال ومصادرة الأراضي والاستيلاء عليها من خلال تثبيت الأراضي الوقفية واستصدار الحجج الإرثية التي يستند عليها في تثبيت ملكية الأراضي لأصحابها للحيلولة دون مصادرتها . هذا غيض من فيض ؛ وإنا مهما أطلنا الحديث عنهم فلن نوفيهم حقهم علينا ؛ فهؤلاء القضاة هم العلماء المجاهدون حُماة الشرع ؛ نسأل الله لهم القبول ، إنها عقود مشرقة في تاريخ شعبنا البطل وتاريخ رجاله الأوفياء الثابتين على الحق ؛ فقد اشتدت فيها المحن وضاقت عليهم الأحوال وانقطع رجاؤهم إلا من الله ، وسدت السبل فلم يبق لهم إلا تأييد ربهم سبحانه وتعالى ، فصبروا على ما أصابهم وصابَروا ورابَطوا واستلهموا من الله العزيمة الصادقة والثبات على استجابة لنداء الله عز وجل وأمره { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } آل عمران 200

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock