عربي ودولي

أحمد البديري يكتب: عام على إعلان ترامب.. الأسوأ في تاريخ الشعب الفلسطيني

بعد عامي ثمانية وأربعين وسبعة وستين من القرن الماضي سيكون هذا العام هو الاسوأ لان اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب لم يكن حبرا على ورق أو خطوة سياسية جوفاء إنما تغيير قاسي لواقع هو اصلا في حالة التيه. وعد ترامب ووفى لداعميه عندما أكد انه سينقل السفارة الامريكية من تل ابيب للقدس بينما حتى اكثر الرؤوساء الامريكين السابقين دعما لاسرائيل وهو جورج بوش الابن لم يُقدم على مثل هذه الخطوة.

منذ اللحظة الاولى إلتقط الاسرائيليون الفرصة النادرة ولم يكونوا بحاجة لاعداد الخطط والمشاريع فهي طالما كانت في الادراج وما كان عليهم إلا بدء العمل وفورا. مستقبل ترامب كان على المحك في اكثر من مناسبة وهذه الفرصة قد لا تتكرر وبدل الحديث عن فشل عملية السلام واحياء الميت بدأ الحديث عن انهاء أي امكانية لاقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمة القدس الشرقية.

صفقة القرن بدأت منذ عام

المراقبون للشأن الفلسطيني يُجمعون أن الصفقة التي طال الحديث عنها ليست اتفاقا لسلام كما جرت العادة إنما إحداث تغييرات استراتيجية على الارض من شأنها تقويض فرص اقامة دولة فلسطينية ذات سيادية. الخطوة الاولى كانت الدعم الامريكي للاحلام الاسرائيلية وهاهي تتحقق لتكون الخطوة الثانية بعزل القدس تماما عن الضفة الغربية.

مشاريع الاستيطان هذه المرة لم تكن تدريجية بل رصد نصف مليار دولار لملء كل الفراغات الجغرافية بين القدس ورام الله شمالا وبيت لحم جنوبا والعيزرية شرقا. الخان الاحمر بقي المعضلة إلا ان استقالة ليبرمان من وزارة الجيش وتولي نتنياهو الحقيبة الامنية واتهامه بالضعف في التعامل مع ملف الخان الاحمر خلال جلسات الكابينت سيدفعه لهدمه قريبا وبالتالي تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين شمالي وجنوبي أي انهاء دولة فلسطينية متصلة بل دويلة كانتونات معزولة بالمستوطنات التي تتوسع وبسرعة.

كنيسة القيامة اغلقت ابوابها في شباط الماضي كما لم يحدث منذ بناءها في القرن الرابع الميلادي بسبب الامعان الاسرائيلي في الاستيلاء على عقارات واراضي الكنائس وبخاصة الارثودكسية التي هي اكبر مالك للاراضي في فلسطين التاريخية. ورغم كل الوعود الاسرائيلية والدولية إلا ان شيئا لم يتغير والهجمة الاستيطانية لا حرمة او خشية او حتى ضغوط دولية لايقافها.

أما في البلدة القديمة فذراع الاحتلال النشيط تمثل في جمعيات استيطانية اجتهدت بالسيطرة على عقارات قريبة من المسجد الاقصى بشتى السبل مما زاد من البؤر الاستيطانية. بهذا تكون القدس قد بقيت على موعد أخير في ساحات المسجد الاقصى الذي باتت الاقتحامات يومية وبمشاركة وزراء وعموما يقولون في اليمين الاسرائيلي أن اسرائيل لن تنهض حقا إلا اذا تمت السيطرة على جبل الهيكل فهو مركز ولُب المشروع الاستيطاني.

انهاء حق تقرير المصير بداية فكرة انهاء اللاجىء

ترامب كان واضحا بخصوص اللاجئين فهي مشكلة يجب حلها ونتنياهو كان عنده الحل كجزء من صفقة القرن وهي تتلخص بإنهاء حق تقرير المصير الذي بحاجة لانهاء فكرة أن القضية الفلسطينية تتمثل باللاجئين وببساطة أوقف المساعدات الامريكية للاونروا بالتوازي مع وقف دعم السلطة الفلسطينية مما سيدفع الدول العربية لاعادة ترتيب الاولويات.

بقي مشكلة مستقبلية تتمثل بحق تقرير المصير عندها أخذ اليمين الاسرائيلي الحاكم زمام المبادرة لسن قانون القومية الذي هو مرة اخرى ترجمة قانونية تشريعية لانهاء حق تقرير المصير وبالتالي لا حق للعرب في فلسطين التاريخية واذا كان القضاء الاسرائيلي ينصفهم أحيانا فهو الان مكبل. وزيرة القضاء الاكثر تشددا في تاريخ وزراء اسرائيل ايليت شاكيد أكملت المشهد باستبدال القضاة العُدول بقضاة يمينين ورغم اعتراض اليسار إلا ان الطوفان لن يوقفه يساري يعيش في اوهام السلام والتعايش كما قالت شاكيد.

احباط نفسي على مستوى المجتمع

كل هذا أضيف له الانقسام الفلسطيني الذي تحول لانقسام اجتماعي بين الضفة الغربية وقطاع غزة فحتى الزواج بين شطري الوطن توقف وبالتالي بدأت حالة الاغتراب أي الاختلاف في رؤية المستقبل والاهداف والسبل. فالانقسام دمر طموح الفلسطينين الذين حتى في أحلك ظروفهم كانوا على الاقل جسما واحدا وعائلة كبيرة تختلف وتتناحر لكن مستقبلها مشترك.

لا أحد يملك مشروع لمواجهة المستقبل ولا أحد مستعد أن يقدم تنازلات للاخر والحديث عن حماس وفتح. وسط كل هذا التيه شاع الاحباط بين الفلسطينين فلو نظرت لوسائل التواصل الاجتماعي لرأيت كمية السلبية والتحريض والكراهية بل والابتزاز والتخوين. فُقد الاحساس بالامان والتطلع لمستقبل مشرق أو فرص الابداع الحقيقية إلا القليل. فكما كانوا يقولون إن الشعب الفلسطيني الاكثر تعلما وثقافتا فهذا تاريخ وليس حاضرا أو مستقبلا حسب كل المؤشرات لاستطلاعات الرأي.

فشل دبلوماسي فادح

الاخفاقات الدبلوماسية المتتابعة بين زيارات عُمان وتشاد ونقل سفارة جواتيملا والنوايا المعلنة لعشرات الدول لنقل سفاراتها والانجازات السريعة لدبلوماسية الاسرائيلية في دول لم تكن تحلم اسرائيل بها فأمريكيا اللاتينية كانت دائما مع الفلسطينين إلا ان التصويت الاخير في الجمعية العمومية في الامم المتحدة أظهر تراجع ذلك التماسك.

أما القلعة السوداء أي القارة الافريقية التي كانت متماسكة تماما لصالح الفلسطينين فبدأ الغزو الدبلوماسي يرافقه مشاريع اقتصادية اسرائيلية يسلخ دولة بعد اخرى عن الاجماع وآخرها تشاد التي هي أيضا عضو في منظمة التعاون الاسلامي.

مجموعة اوروبا الشرقية طبعا انقلبت تماما لصالح اسرائيل فرومانيا والتشيك وليتوانيا وسلوفينا وغيرها الكثير من الدول باتت اقرب لاسرائيل في وقت كانت هذه الدول تدرب مقاتلي المقاومة الفلسطينية في السبعينات وتدفع بالسلاح والمال والان باتت تدعم اسرائيل المكتسحة دبلوماسيا.

عدم توجه السلطة الفلسطينية للجنايات الدولية رغم كل الوعود قوض من مصداقية التوجهات الدبلوماسية وبالتالي تراجع العديد من الدول من الدعم المطلق إلى الحياد باستثناء دول أبقت على نفس التوجه الاخلاقي تجاه الشعب المظلوم. هذه الدول نفسها لم تمول الفلسطينين بل اكتفت بالشعارات.

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock