آراء وكتاب

إمراة تنبعث من سواد الليل …

بقلم : غدير حدادين
تعيش حالة هروب مستمرة .. تستيقظ من نومها لتهرب من حلم لا تجد فيه نفسها .. تهرب من حجرتها الباردة التي تسكنها العزلة .. لا رغبة لها اليوم بارتداء قميصها المزركش بالفراشات المحلقة زاهية الألوان فكل الألوان تبدو باهتة ! .. ستكتفي برداءٍ لونه محايد .. تماماً كمزاجها البارد الذي تعتريه حالة رمادية .. لا رغبة لها بالوقوف أمام المرآة.. أصبحت المرآة مملّة تهرب فيها الصورة لتصبح مجرد خيال هائم لا أبعاد له .. وكل الأحاديث مملة.. وكل الأسئلة عقيمة سيان الإجابة عليها من عدمها ..” لا مستحيل” إجابة لا إجابة فيها .. تحاول الهرب من فنجان قهوتها .. فلا مذاق للقهوة المُرّة كما في كل مرَّة، ولا عبقاً يجلب الحنين إلى دفء زمان لا تدري كيف تسرَّب من زمانها .. ولا رغبة لها بتأمل لون البن المائل إلى السواد أكثر فأكثر .. سئمت طقس الحِداد في ارتشاف فناجين القهوة .. لم يبق لها من كل ذلك سوى مرارة التفكير والقرارات المأزومة بالتساؤلات الحائرة في المستحيل.. هي الهاربة الخاسرة .. المتعبة .. التي تسير وحيدة مع طريق لا نهاية له .. تستبد بها الرغبة أحياناً لإلقاء كل اسلحتها.. سئمت لافتات الإرشاد الصماء وإشارات التنبية النمطية الغبية .. تراودها فكرة الرقص بين ألسنة اللهب .. وتنبثق فيها روح المغامرة الاستثنائية القاتلة .. تنتظر أحياناً سقوط نجمة، ولو عن طريق الصدفة، لتضيء قلبها المختنق .. تبحث في البحر عن صوته الغارق وسط الأمواج ليعزيها.. يكشف للعالم درب آلامها .. أو ربما يخفي ندوب الماضي الذي لا يأتي ولا يرحل .. يبلسم جراح الأمس .. حتى ارتواء الروح .. تراودها فكرة الهروب إلى البداية .. إلى حيث كان الصفاء يتدفق في جدول نهر صادق الاحتواء ونقي المجرى .. لا تريد المحيطات.. فجدول النهر رغم صغره قادر على أن يرويها .. أن يغذي أحلامها الهاربة .. أن يتدفق في شراينيها لتكتمل .. والنهر أكثر إصغاءً حينما تروي له حكاية الهروب والمواجهة .. وحينما تحدثه عن أشياء كثيرة تغيرت ..عن شموع انطفأت بعد أن كانت تحرص كل ليلة على إشعال المزيد منها على مدى المسافات .. لم تعد تخشى الأيام الآن .. تسكنها قوة عارمة .. وثقة صلبة بأنها قادرة رغم الهروب أن تكون امرأة لا تهزم .. امرأة المستحيلات .. تنبعث من سواد الليل مشرقة وتعاهد نفسها على أن تبقى الأجمل والأعمق والأقوى .. بقلبها الذي لا يهدأ فيه النبض رغم كل السأم.. فهي هنا باقية عذاباً وحلماً وسراباً في فضاء يتطلع إليه كثيرون ليشعروا بالحياة تخاطبهم من جديد …

تابعنا على نبض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

الرجاء ايقاف مانع الاعلانات لتصفح الموقع

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock